موقع الكاتبة زينب حفني زينب حفني

 

 

﴿  نساء في تاريخ الأمم  

 

هل تصدق مقولة ان المرأة التي تهز العالم بيمينها، تستطيع ان تهز العالم بيسارها، أم انها عبارة قيلت لترضي غرور المرأة؟! هل حقيقة ان المرأة اضحت اليوم تحيا بيدين مشلولتين لا تملكان الهز أو الدفع؟! ما الشيء الخفي الذي يفرق بين النساء؟! ما سر جاذبية بعضهن؟! لماذا هناك امرأة تمر مرور الكرام، وأخرى تترك بصمات ثابتة في جسد مجتمعها، كنقش الوشم من الصعب انتزاعه؟! لماذا يحتفظ التاريخ باسماء بعضهن، ويحرق كثيرات منهن في موقد النسيان؟! هل يعود هذا الى الظروف البيئية التي توضع فيها المرأة، مما يؤدي الى ابراز مواهبها وتألقها، أم انه ناتج عن فكرها المتقد، الذي اصقلته على مدى سنوات عمرها، أم انه نابع من حضورها المتميز الذي حباها الخالق به، ولا دخل لصنيعة البشر فيه؟! نساء كثيرات في تاريخ الامم كانت لهن ادوار بارزة في مجتمعاتهن، وفي حياة ازواجهن، من اشهرهن كليوباترا ملكة مصر في العصر الفرعوني، هذه المرأة التي تصفها كتب التاريخ بأنها كانت بمقاييس الجمال امرأة عادية، لكنها كانت على قدر عال من الذكاء والمكر الأنثوي، استطاعت اسر قلبي أقوى رجلين في روما، يوليوس قيصر الذي وضع مملكته تحت امرتها، والقائد مارك انطونيو، الذي انتحر لحظة سماعه خبر موتها. ولو رجعنا الى تاريخ العرب ما قبل الاسلام سنجده يحفل بقصص مشرفة لنساء كانت لهن بصمات في تاريخ شعوبهن، امثال بلقيس ملكة سبأ، وقصتها المشهورة مع النبي سليمان. وفي التاريخ الاسلامي برزت عديدات، منهن الخيزران التي كان لها أثر عظيم في حياة ثلاثة خلفاء.. زوجها المهدي، وابنها الهادي، وابنها الآخر هارون الرشيد الذي عرف بدهائه وحسن بصيرته، مع هذا استفاد من ثقافة والدته وسعة اطلاعها، ولم يستطع اخفاء حزنه عليها يوم وفاتها، واظهر لوعته عليها، مخالفا عادة العرب التي تستهجن مجاهرة الرجل بعواطفه مع اقرب المقربين، مما يدل على قوة شخصية هذه المرأة في حضورها وغيابها، وانبهار شعبها بها، وتقليد النساء لهيئتها. وفي العصر الحديث، هناك السيدة صفية زغلول التي ساندت زوجها ضد الاحتلال البريطاني، وكانت محبوبة من الشعب المصري، ولقّبت بأم المصريين. والمناضلة الجزائرية جميلة بوحريد، التي كان لها دور نضالي فعال ضد الاستعمار الفرنسي لبلادها، وقامت بما لم يقم به فطاحل الرجال.

يقولون ان وراء كل رجل عظيم امرأة، ولا ادري لماذا خلفه وليس الى جانبه!! هل يجب على المرأة ان تقبع في ظلال الرجل، لكي تدوّن في سجل حياتها دليل نجاحها؟! ان المرأة في رأيي التي تؤثر الصمت السلبي على التفاعل الايجابي مع طموحات زوجها، ولا تملك حدة نظر زرقاء اليمامة، ولا تطوّر ثقافتها، ولا تغذي بنية شخصيتها، سرعان ما يذبل حضورها في ذاكرة زوجها، لاحساسه ان المسافة بينهما قد غدت شاسعة!! وكم من نساء كانت لهن ادوار مشرقة في حياة ازواجهن، وكم من رجال بسبب نساء، خرجت قطارات حياتهم عن قضبانها مما ادى الى نهايات فاجعة لمستقبلهم.

لم تكن تشد انتباهي شخصية نانسي ريغان زوجة الرئيس السابق لأمريكا، لكنها نالت اعجابي واحترامي بوفائها لزوجها بعد اصابته بمرض الزهايمر، الذي نطلق عليه في عالمنا العربي مرض الخرف، فقد وقفت هذه السيدة الى جانب زوجها بصلابة منقطعة النظير، وكرّست وقتها وجهدها لرعايته، واليوم تعلن السيدة الاولى للبيت الابيض لورا بوش، زوجة جورج بوش الابن الرئيس الحالي للولايات المتحدة، منع دخول جميع انواع المشروبات الكحولية، وشطب قوائم الطعام التي يتخللها الكحول، خوفا على زوجها من ان يُعاود الادمان على المسكرات بعد ان توقف عنها منذ ستة عشر عاما. الطريف في الامر ان لورا قالت لزوجها في عيد ميلاده الاربعين.. اما انا أو هي.. اقصد الخمرة!! فأختارها هي دون تردد. جميل ان تشد المرأة أزر زوجها، وتسانده في طموحاته، وتتحول الى امرأة شرسة حين يستدعي الامر حمايته من زلات نفسه.

لماذا اثبتت المرأة جدارتها في بعض بلدان العالم، وتقهقرت مكانتها في مجتمعات أخرى؟! هل يعود هذا الى ماهية بعض المجتمعات، التي اضاءت اللون الاخضر للمرأة، لتصقل شخصيتها، وتطور فكرها، بعكس غيرها التي وضعت المرأة في قالب من الجمود؟! هل تلقى المسؤولية مباشرة على البيت الذي حولها الى دمية ورقية تحركها خيوط التسلط الذكوري؟! هل تقلّب الازمنة، والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، ساهمت في نشوء اجيال من الفتيات لا يعبأن بمسؤولياتهن المستقبلية، منصرفات الى بهرجة شكلهن الخارجي على حساب الجوهر؟! ان ثالوث الفقر والجهل والمرض، اهم العوامل المؤدية لتدهور مكانة المرأة، ولن تستعيد مكانتها إلا بالقضاء على هذا الثالوث. في الهند مثلا، هناك فئة تدعى «خادمات الله» تنتمي للطبقات الفقيرة، يقوم آباؤهن بتقديمهن قرابين للمعبد الهندوسي، أو بيعهن بمبالغ زهيدة ليتخلصوا من نفقتهن، لكنهن في حقيقة الامر يصبحن متعة مشاعة للطبقات العليا من رجال المجتمع الهندي، وتعرف اولئك النسوة من العقود الحمراء المعلقة في اعناقهن، والتي تعني العبودية والاسترقاق، وبالرغم من محاربة لجان حقوق الانسان لهذه العادة الاجتماعية الناجمة عن هذا الثالوث، إلا انه يتم تقديم 15.000 فتاة سنويا للمعابد.

لقد وضعت مجتمعات العالم في وقت من الاوقات، النساء في قوالب جامدة، حتى فقدن القدرة على النمو كما كان يفعل الصينيون في الماضي، في تقييدهم اقدام الصبايا في قوالب صغيرة حتى لا تكبر، كونها مقياسا من مقاييس الجمال في نظرهم، ففي العصور الوسطى في اوروبا، كانت المرأة تحرق بحجة تقمص روح الشيطان فيها، حتى خرجت مجتمعات اوروبا من جحور الظلام بفضل اغترافها من بحور المعرفة، وقناعتها بأحقية المرأة في حياة كريمة. وفي عصور ما قبل الاسلام كانت المرأة العربية توأد وهي طفلة حتى لا تلحق العار بأهلها عند الكبر، وتلاشت هذه العادة البغيضة بفضل نور الاسلام الذي كرم المرأة ورفع من مكانتها ومنحها حقوقها المشروعة. ان الصور المشرقة التي تظهر في العديد من دول العالم اليوم، وتنطمس معالمها في بلدان أخرى، تدل على ان المرأة ما زال طريقها طويلا لتثبت قدميها في عالم ظل أمدا طويلا مقتصرا على الرجل، وان كان هذا لا ينفي وجود رجال نبلاء موقنين في اعماقهم بقدرات المرأة، من خلال افساح المجال امامها لتحقيق طموحاتها، لتضفي في النهاية شعاع فكرها على اسرتها ومجتمعها. ان المرأة مخلوق مشارك في دورة الحياة، بدونها تضعف بنية المجتمعات، وتتعثر خطوات افرادها، لكن الاهم من كل هذا ان تستوعب المرأة نفسها هذا الحق بوعي، وتورثه لأبنائها بلغة العارف لا بلهجة الجاهل.

 ﴿﴾

 

الصفحة الرئيسية
CV - السيرة الذاتية
مؤلفات الكاتبة
نصوص ادبية
وجهه نظر
حوارات
البومي
باب الرسائل

 

free html hit counter


جميع الحقوق محفوظة