موقع الكاتبة زينب حفني زينب حفني
 

 

﴿  هل تعلّمت المرأة من تاريخها ؟ 

 

 

مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة ، ارتسمت علامات استفهام في خاطري .. هل ترتبط ظاهرة العنف في العالم ، باتساع رقعة العنف بأنواعه ضد المرأة ، المتمثلة في الاضطهاد الأسري ، وتزايد حالات الاغتصاب ، ورواج تجارة الجنس ؟! هل تقع على المجتمع المسؤولية الكبرى ، في جعل المرأة سلعة جمالية ، وتسخيرها لإشباع غرائز الرجل ، لاغياً عقلها وثقافتها، وتحويلها إلى كائن ممسوخ الرؤية ، مبلبل الفكر ، والنظر إليها كمخلوق دوني ، غير قادر على حماية نفسه ؟! وهل كانت امرأة الأمس ، أفضل حالاً من امرأة اليوم ؟! 

يفصل الكثيرون بين الواقع المرير الذي تحيا فيه المرأة ، وبين جهل المجتمع لمعاني الديمقراطية ، حيث أن البيت هو التربة الخصبة التي يستقي منها الفرد مبادئه الأولى في الحياة .ولكي ننشىء مجتمعاً قائماً على احترام آدمية الآخرين ، لا بدّ من صون كرامة المرأة ، وحفظ والحفاظ على هويتها ، وعدم التنكر لحقوقها المشروعة ، فالطفل الذي يتربى في مجتمع دموي ، يقوم على سيادة الرجل وإغفال حق المرأة ، لا يمكن أن يعرف طعم الديمقراطية ، لأنه تغذى من نبتة العنف ، وسيصبح بالتأكيد عندما يكبر شخصية دكتاتورية . كيف يمارس الديمقراطية في أسلوب حياته ، وقد تعلم منذ نعومة أظفاره سلب حقوق أخواته البنات ، ورأى بعينه اضطهاد أبيه لأمه ، الذي يصل إلى الضرب في كثير من الأحيان ! إن الحفاظ على التوازن الاجتماعي بين الرجل والمرأة ، واجب حتى لمجتمع سوي ، لأن الحياة امرأة ورجل ، وليست رجلاً فقط .

الغريب أن هناك صراعاً خفياً يُدار في الخفاء بين الرجل والمرأة في محيط الحياة الزوجية ، وانعدمت العلاقة الحميمة المرتبطة بالمودة والرحمة ، التي ذكرها القرآن الكريم ، وأصبح التنافر، وازدواجية التعامل، من سمات الحياة الأسرية ، وهذا للأسف يعود إلى النظم ، والقوانين ، والحضارة الأبوية ، التي ألقت بكل منهما إلى هويتين سحيقتين : كما أن الرجل من خلال ما يكابده من في الحياة العامة من ظلم سياسي واقتصادي ، وثقافي ، دفعه إلى صب براكين غضبه  على المرأة وتفجير كبته المعنوي في وجهها ، ففاقد الشيء لا يعطيه ، والأسير لا يملك القدرة على كسر قيود الآخرين ؟!

ليست حال المرأة في الدول المتحضرة ، بأحسن من نظيرتها في دول العالم الثالث ، فكل ما يجري من اضطهاد عليها هناك ، يصب هنا ، لكن يجب الاعتراف بأن المرأة العصرية على الرغم من الأصوات التي تنادي بتطويق عقلها ، نجحت في نيل بعض المزايا السياسية ، وأصبح لها في كثير من الدول العربية ، حق الانتخاب والتصويت ، بلل تم تنصيب بعضهن وزيرات ، ونائبات ، وأعضاء ، وهذه خطوة إيجابية في تاريخها النضالي .

تقول جرمين غرير المدافعة عن حقوق المرأة ...(( على المرأة أن تحلل سلوكها كمستهلكة ، وحيلها وغشها مع نفسها ، وآلامها ، وعواطفها الحقيقية تجاه أولادها ، وماضيها ، ومستقبلها ، عليها أن تستعيد إرادتها الخاصة ، وأهدافها الخاصة ، والجرأة على فرضها )). إذن ما الذي دفع المرأة اليوم إلى هذه المنزلقات الخطيرة ؟! من الذي كمم فاهها ؟! هل هذا يعود إلى ارتفاع نسبة الأمية في البلاد العربية ؟! هل هذا يتعلق بتزايد نسبة البطالة ؟! التي انعكست آثارها السلبية على المرأة ؟! لقد أقر الأمين العام للأمم المتحدة ، كوفي أنان ، أن النساء هن أول الضحايا في تسريحهن من وظائفهن ، عندما تفكر الشركات في تخفيض نفقاتها .

عندما نالت الصين استقلالها أعلنت قانون الزواج بتاريخ 1 مايو عام 1950، الذي يتضمن القضاء على نظام الزواج الإقطاعي ، المرتكز على سيادة الرجل على المرأة ، وإغفال مصالح الأطفال ، وذلك بإعطاء المرأة الحق في العيش كمواطنة ،وعضو فعال ، منتج في المجتمع ، فهل المرأة الصينية اليوم ، في وضع أفضل مقارنة ببنات جنسها ؟! بالطبع لا ، لأن هذا القانون ساهم في استرقاقها ، وقهرها اقتصادياً ، بعد أن رفع الرجل يديه كاملاً عنها ، واستغلت أسوأ استغلال ، وأضحت خادمة مطحونة في أسرتها . لقد ظهرت في بعض الدول المتحضرة ، مؤسسات تطالب بعودة المرأة إلى البيت ، وإلزام الرجل بالنفقة عليها ، بعد أن أثقل كاهلها عبء المسؤوليات . ترى هل تحررت المرأة اقتصادياً ، ونالت بالفعل حيزاً من الاستقلالية ؟!  أم أن المرأة التي استهوتها في السابق لعبة الكراسي ، قد ضاقت بها ، بعد أن اكتشفت أنها مجرد لعبة طفولية شكلية ، اخترعها الرجل لتغض المرأة الطرف عنه ، وتتلهى في خرافة حقوقها الطبيعية ؟! أم أن المرأة كانت بالأمس جميلة ، فاضلة ببساطتها ، قوية بضعفها ، صارت اليوم قبيحة بتفننها ، سطحية بمداركها ، بعيدة عن القلب بمعارفها ، كما يقول الأديب جبران خليل جبران ؟! أم أن العمل في حد ذاته ضرورة إنسانية وإلزام اجتماعي ، ورغبة ملحة لإثبات الذات ، وأن الخطأ يقع على المرأة التي تهاونت في مطالبها ، وتنازلت عن حقوقها المشروعة عن طيب خاطر ؟! أم أن تاريخ المرأة استشهاد طويل كما تقول الأديبة مي زيادة ، التي دفعت بالمقابل حياتها ، ثمناً لفكرها ، الذي سبق عمرها ؟!

إن الإسلام لم يبخس حق المرأة في تقرير مصيرها ، وقد كانت سكينة بنت الحسين ، حفيدة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، تشترط على كل أزواجها ، الحفاظ على سلطتها المطلقة بعد الزواج ، وكانت تنفصل عن الزوج الذي لا ينال إعجابها .كما أن المرأة في العصر الأندلسي استطاعت أن تصل لمكانة رفيعة  نتيجة لمناخ الحرية الفكرية ، الذي كان سائداً في ذلك العصر ، وظهر العديد من المثقفات ، والشاعرات ، من أبرزهن ولادة بنت المستكفي ، التي ذاع صيتها كشاعرة ، وكان يغشى مجلسها الأدبي ، الكثير من أدباء زمانها . فأين نسوة اليوم من نسوة الأمس ،اللائي يحفل تاريخهن بالكثير من الصور المشرقة المضيئة ؟! فهل تعلمت المرأة من تراثها ؟! أم أنها طمرته في رحم النسيان ؟!

لقد عانت المرأة طويلاً من غبن المجتمع الذكوري ، كما أن بعض المفكرين من الرجال ساهموا _للأسف _ بمعتقداتهم وآرائهم المتجنية ، الساخرة ، في الحط من قدر المرأة ، وتصويرها على أنها مخلوق ماسوشي ، ملعون ، مضطرب العواطف ، محدود التفكير ، ضيق الأفق . وما لم يتكاتف المجتمع ، رجالاً ونساءً ، على إعطاء كل ذي حق حقه ، فلن تقوم للمجتمعات قائمة .

﴿﴾

 

الصفحة الرئيسية
CV - السيرة الذاتية
مؤلفات الكاتبة
نصوص ادبية
وجهه نظر
حوارات
البومي
باب الرسائل

 

free html hit counter


جميع الحقوق محفوظة