موقع الكاتبة زينب حفني زينب حفني
 

 

﴿  المرأة في خضم الإبداع 

 

 

سئلت الأديبة (( كوليت خوري )).. لماذا تكتبين ؟! أجابت .. إني أصرخ على الورق.. كأنها تريد القول أنني أصرخ لأثبت حقي في الوجود ، وليس فقط في البقاء . أن تعيش هذا أمر مسلم به ، لأن الخالق هو الذي يمنحك استمرارية البقاء ، ولكن أن تثبت وجودك بإيجابية ، فهذا يحتاج منك إلى قدر كبير من المعاناة والصبر والعناد ، وهنا تأتي معاناة الأدبيات لإثبات ذاتهن ، من خلال مزاحمة الرجل في رقعة ظلت أمداً طويلاً حكراً عليه .

تحضرني عبارة للناقد الدكتور (( عبدالله الغذامي )) ( أن القلم ثعبان تمكن الرجل من تطويعه وسحب سمومه على مر القرون ، ولكن المرأة تمد يدها إلى آلة لا خبرة لها فيها ، وتجهل أنها سامة وأن القلم ألم ) .

الجميع مدرك أن الفنون جميعها انعكاس لواقع الحياة ، وأن على الإنسان رجلاً كان أم امرأة ، المحافظة على كينونة نفسه ، فهل نجحت المرأة المبدعة ، في تبوؤ مكانة عالية في الساحة الثقافية ؟! للأسف لم تستطع

اليوم القيام بثورة أدبية ، إلا إذا استثنينا الشاعرة (( نازك الملائكة )) التي كانت رائدة في مسيرة التجديد الشعري في تاريخ الشعر الحديث ، وعدداً محدوداً من الأدبيات الجريئات ، اللاتي خرجن عن مقاليد الأحكام الذكورية ، وانتهجن خطاً أدبياً خاصاً بهن كالأديبة (( غادة السمان )) والدكتورة (( نوال السعداوي )) . هل يحول الزواج دون وصول المرأة إلى مكانة بارزة في ساحة الإبداع ، وذلك لانشغالها بأمور بيتها ، ومسؤوليات الزوج والأولاد ؟! هل وصاية الأهل على المرأة منذ الصغر ، وحتى بعد تجاوزها سن الرشد ، يشكل عائقاً جوهرياً ، أمام طموحاتها الأدبية ، في إصرار الأهل على وضع الحواجز ، والعوائق ، أمام تألق فكرها ، وتداور كلمة العيب ، لبتر تطلعاتها ؟! هل اعتبار البعض ، المرأة مواطنة من الدرجة الثانية ، ساهم في تحجيم دورها ، وبالتالي وضعها في مكانة دونية عن الرجل ؟! هل المجتمع ، والذي هو الأصل مجتمع ذكوري ، لم يفسح المجال للمرأة المبدعة لتفجير إبداعها، وتركها تتسكع في أروقة الثقافة بحثاً عن منافذ ، تنشر من خلالها أدبها ، مما عرضها للكثير من المحاولات البربرية ، التي يمارسها أنصاف المثقفين ، للوصول إلى الأنثى الكامنة في أعماقها ؟! هل انصراف النقاد عن أدب المرأة شكل تراجعاً في نتاجها ، نتيجة إحباطها المتواصل ، أم أن النقاد ليسو مأذونين شرعيين ، كما يقول الدكتور الغذامي ، في تبريره لهذا التجاهل النقدي ؟! وهل هناك بالفعل أدب نسوي ، وأدب رجالي ، أم أنه سؤال تقليدي ، قُتل بحثاً ، وتداولاً ، وأن الأدب بصفة عامة ما هو إلا أدب إنساني ؟! يقول الناقد راشد عيسى : (( بأن المرأة الأديبة  تُفرز أدباً يرعى أحلامها ، ويرتق ثقوب نفسيتها ، مما يجعل همها الخاص مسيطراً على همها العام ، وبالتالي يجعل أوراقها الفنية ، أسيرة التسجيل والوصف وارتفاع نغمة البوح والوجدان في كتاباتها الإبداعية )). وتعلق الدكتورة (( نازك الأعرجي )) حول هذا الموقف اللاإرادي ، الذي يتبناه الكثير من الأدبيات ، بأن المرأة المثقفة وهي تنأى عن وصف كتاباتها بالنسوية ، إنما تواصل ما تفعله في الحياة (( بيت الأسرة )) حيث عليها أن تنضوي تحت حماية الذكر ، لكي يُعترف بها اجتماعياً ولا تُعزل ، فتصبح محط التفحص والتعقيب والشك والإدانة . وهناك أدبيات يرفضن هذه الحجج ، وإن كن يعترفن بوجود نفحة أنثوية في الأدب النسوي لا يستطيع الرجل اختراقها ، إلا إذا استثنينا ندرة من الأقلام الرجالية ، نجحت في تصوير خلجات المرأة بسبب توفر مناخ الحرية الاجتماعية والفكرية للرجل دون المرأة ، وليس لتفوقه عليها إبداعياً وفكرياً كالأديب (( إحسان عبد القدوس )) والشاعر (( نزار قباني )) .

هل ما زال المجتمع الذكوري ، يتعامل مع إبداع المرأة ، على أنه انعكاس لتجارب شخصية ، أو خبرات حياتية ؟! هل المجتمع ، الذي ما زال مجتمعاً ذكورياً ، لم يصل لمرحلة القناعة الكاملة ، بأن المرأة المبدعة قادرة مثله ، على بناء شخصيات قصصها ، وعوالم رواياتها ؟! هل هذه الصور الشديدة القتامة ، هي التي دفعت الأدبيات في بداية ولوجهن إلى عالم الكتابة للتنكر بأسماء رجالية ، خوفاً من التصاق صفة العار والإباحية بشخصهن ؟! هل هذا الخوف هو الذي دفع الأديبة المبدعة في المرحلة التالية ، إلى إزاحة (( برقع )) التخفي ، والكشف عن اسمها الحقيقي مع الالتزام بنصيحة زميلها الرجل ، في البعد عن استخدام ضمير الأنا ، واستخدام ضمير الغائب حتى لا تسقط في فخ الاتهام ، وتسلم من القيل والقال ؟! بعض الأدبيات الجسورات ضربن بهذه النصائح عرض الحائط ، استخدمت ضمير الأنا ، وكانت النتيجة اتهام المجتمع لأقلامهن ، بأنها أقلام خرجت عن طوق الحياء . وهناك من رفع إصبع الاتهام في وجوههن ، بأنهن استخدمن أقلاماً رجالية في الخفاء متغافلين عن أن الإنسان رجلاً كان أم امرأة ، تحكم تفكيره معايير معينة مجتمعة في شخصه ، بداية من هويته الدينية ، وتربيته ، ومناخه الفكري والاجتماعي والاقتصادي ، ونهاية بتجاربه الحياتية .

هل كل الرجال متساوون في نظرتهم الضيقة للمرأة المبدعة ؟! لكي نكون منصفين ليس كل الرجال موضوعين في قفص الاتهام ، وهناك العديد من المثقفين دعموا المرأة المبدعة في مشوارها الأدبي ، وآزروها إيماناً بموهبتها ، وحقها الطبيعي في إثبات وجودها ، وهناك صور عديدة مضيئة الجوانب ، كالعلاقة الحميمة التي ربطت بين الكاتبة (( سيمون دي بوفوار  )) والمفكر (( جان بول سارتر )). أما الكاتبة (( فرجينيا وولف )) فقد كتبت رسالة إلى زوجها قبل انتحارها ، تقول فيها : (( إنني مدينة بسعادتي كلها لك .. كنت صبوراً معي كل الصبر وكنت طيباً على نحو لا يصدق.. لو كان هناك أحد ينقذني فهو أنت.. )). أما الرسامة المغمورة (( فرنسوا جيلو )) والتي استمرت علاقتها مع (( بابلو بيكاسو )) ما يقارب العشر سنوات، فلم تغتنم فرصة قربها من هذا الفنان ، الذي كان مدرسة فريدة ، وترك بصمة بارزة في تطور الفن الحديث ، ولم تستفد من بريق الشهوة الذي كان يحيط به ، وهو القائل ((.. حين أحب امرأة يمزق ذلك كل شيء ولاسيما فني ..)) ولم يبرز اسمها ، إلا من خلال كتاب سردت فيه مذكراتها معه ، نشرته تحت عنوان (( حياتي مع بيكاسو )) .

التاريخ لا يطمس الحقائق ، فهو أصدق شاهد على العصور ، ما لم يحرقه المؤرخون ، ولا توجد أيد تعطي دون أن تنتظر ماذا ستأخذ ، وإلا اعتبرت من عداد المغفلات !! ولن يكتمل بناء مجتمع حضاري ، طالما هناك من يتعمد وضع العراقيل ، وبناء السدود أمام المرأة المبدعة ، لذا لا بدّ من أن ترفع المرأة الواعية صوتها. وتجاهر بمطالبها الطبيعية ، حتى ترسو السفن المتأرجحة في خضم البحر ، على شواطئ  الواقع ، بدلاً من أن تظل تائهة ، تبحث عن ربان ماهر ، يمد لها يد العون ، ويدفعها بعضلاته الفولاذية نحو بر المساواة والعدل ، فقد انتهت أزمنة الفوارس !!.

﴿﴾

 

الصفحة الرئيسية
CV - السيرة الذاتية
مؤلفات الكاتبة
نصوص ادبية
وجهه نظر
حوارات
البومي
باب الرسائل

 

free html hit counter


جميع الحقوق محفوظة