الديمقراطية… الحاضرة الغائبة

الديمقراطية… الحاضرة الغائبة

الديمقراطية… الحاضرة الغائبة

الجمعة 7/7/2006

 
حين أتحدّث عن حرصي على تلبية الدعوات الموجهة لي، لحضور المؤتمرات الدولية، والندوات الثقافية، دائماً ما أسمع تهكمات من المحيطين بي.. ما الفائدة التي ستجنيها من ورائها؟! إنها مجرد مشاهد صوريّة، المشرفون عليها والمشاركون فيها، أمهر من الفنانين المحترفين في قدرتهم على تمثيل كافة الأدوار التي تتطلب مهارات عالية، حيثُ إن هذه المؤتمرات تنتهي بخاتمة واحدة، تتمثل في إعلان توصيات، تُدس في الأدراج ولا ترى النور إلى أن يُعاد إخراجها من مرقدها مع المؤتمرات التي تليها وهلم جرا. متابعين بسخرية بأن جلَّ الحكومات العربية تحرص على التواجد في مثل هذه المؤتمرات بل وتدعو إلى إقامتها على أرضها، ليس إيماناً بأهميتها في ترسيخ مبادئ الديمقراطية في بلدانها، وإنما لكي تُوعز للمجتمع الدولي بأنها بالفعل جادة في السير نحو طريق الإصلاحات السياسية.
 
قد يكون لتهكماتهم شيء من الصواب، لأن إرساء هذه المطالب الإنسانية يجب أن يمر أولاً من بوابة حرية التعبير، التي هي بالفعل بحاجة إلى تطبيق فعلي، فكل ما يُقال عنها من أنها حاضرة عند كل منعطف، ومتواجدة تحت سقف كل بيت، ليس أكثر من مجرد كلام منمّق، لا توجد له قاعدة راسخة في الكثير من بلداننا العربية، وأن هذه الحريات المزعومة من الهشاشة بحيثُ تتبعثر في الهواء مع أول هبة ريح تُصادفها، لينتهي بها الأمر إلى طريق مسدود، يتطابق معها المثل القائل “وكأنك يا زيد ما غزيت!!”.
 
من وجهة نظري تكمن أهمية هذه المؤتمرات، في إتاحة الفرصة أمام مؤسسات المجتمع المدني لتوضيح مطالبها، وكسر الجمود القائم بينها وبين حكوماتها، حيث إن معظم الحكومات العربية ما زالت تنظر لمؤسسات المجتمع المدني نظرة عدائية، في الوقت الذي تنظر فيه الدول الغربية لهذه المؤسسات نظرة احترام وتقدير، كونها تمثل صوت شعوبها، مما يجعلها حريصة على فتح حوار إيجابي معها لتحقيق المعادلات المطلوبة. ومن ناحية ثانية، تمنح هذه المؤتمرات المثقف العربي الفرصة لعرض أطروحاته، بجانب أن تواجد المثقفين وجهاً لوجه على تباين توجهاتهم، يعضّد التواصل المعرفي وتبادل الآراء بينهم، خاصة وأن هناك حواجز كثيرة باتت تفصل بين المثقفين العرب نتيجة ما أفرزته الأنظمة العربية من مفاهيم خاطئة.
 
مؤتمر صنعاء للديمقراطية والإصلاحات السياسية وحرية التعبير، الذي حضرته مؤخراً في اليمن، كان بالنسبة لي تجربة ثرية، فقد كانت فرصة جميلة للالتقاء بناشطين سياسيين، ومنظمات المجتمع المدني من مختلف الدول العربية، ومثقفين على مختلف توجهاتهم.
طوال عمري كنتُ أحمل صوراً جميلة عن اليمن السعيد، أرض الحضارة العربية، وقد توقفت طويلاً عند باب صنعاء، ومشيتُ في أزقته الضيقة، وتعجّبتُ من قدرته على تحدّى عوامل الزمن، في المحافظة على عراقته كل هذه القرون.
وأنا أودّع أرض اليمن، كانت الساعة تُشير إلى السادسة صباحاً، كان أهلها ما زالوا يغطون في النوم، والشوارع خالية من المارة، رأيتها فرصة سانحة لأمتّع ناظريَّ بالمباني الأثرية القائمة على جانبي الطريق. رأيت صنعاء في تلك اللحظة، مثل المرأة الجميلة التي ما زالت تتقلب في فراشها وآثار النوم بادية عليها، وكان وجهها الخالي المساحيق، وبشرتها الوردية، أكبر دليل على جمالها الطبيعي الآسر.
 
إن من يخطو بقدميه على أرض اليمن، لابد أن يشده الحنين إلى هذه الأرض التي تعبق بالعروبة، وبطيبة أهلها، وأصالة تربتها. لكن ماذا عن المرأة اليمنية!! هذا ما سأتحدّث عنه لاحقاً.