التعلّق بقشة الوهم!!

التعلّق بقشة الوهم!!

التعلّق بقشة الوهم!!

الجمعة9/2/2007

 
أكدت مواقع بيع الكتب على شبكة الإنترنت بنهاية عام 2006، أن كتب الأبراج هي الأعلى نسبة في المبيعات، وتفوقت على كتب المشاهير من سياسيين وروائيين وشعراء. هذا الإقبال الهائل على هذه النوعية من الكتب، تعكس حال المجتمعات العربية، التي تُعاني من تفشِّى الفقر، والبطالة، وتدنِّي الدخل المعيشي، حتّى غدا الفرد فيها يبحث عن مخرج لأزمته المالية الخانقة ولو من خلال ثقب وهمي. وقد تفاقم هذا الوضع بعد السقوط المروِّع للأسهم، خاصة في السوق الخليجية، واندفاع الكثيرين ممن أضاعوا “تحويشة العمر” إلى التعلّق بقشة هشة، ليهربوا من كابوس خسارتهم الكبرى، وهو ما حدا بإحدى الفلكيات المشهورات، إلى تحذير المتداولين في أسواق الأسهم الخليجية من المضاربة العام المقبل كذلك، مما يعني أن الفلكيين أصبحوا يُنافسون المحللين الاقتصاديين في مجالهم!.
 
من لم يحتضن من المتضررين، الكتب الفلكية بين يديه، لجأ إلى الطب النفسي، بالخضوع إلى جلسات علاجيّة، تحتاج هي الأخرى إلى سيولة نقدية، لا يقدر عليها من أصبح خالي الوفاض، بل يتحمّل نفقاتها الباهظة الموسرون فقط. ومن لم يعترف بهذين النوعين من الحلول، لجأ إلى المشعوذين، يأخذ برأيهم، ويستنير بتوجهاتهم، لعلَّ وعسى ينجح السحر في حل ما عجز عنه العقل البشري.
كعادة أكثرية المجتمعات العربية، وعند وقوع مشكلة كبرى، لا تفكر هذه الدول في دراسة الوضع القائم، أو في وضع حلول جذرية له، وإنما تستخدم أساليب تخديرية مع شعوبها، وهذا ما نلمسه من خلال الاستعانة بالمشايخ ورجال الدين، لإخراج فتاوى تُحرِّم على الناس اللجوء إلى السحرة والمشعوذين مع احتساب الأجر عند الله، دون أن يُوضّح مسؤولوها للناس كيف يخرجون من هذا المطب، أو كيف يمكن تقديم يد العون لهم! هناك بيوت دُمرت، وأسر تصدَّعت أركانها بعد موت أربابها بالسكتات القلبية نتيجة فقدانهم كل ما يملكون. وهناك أناس أصبحوا مثقلين بديونهم، مقيدين داخل أوضاعهم المادية المزرية، وجعلتهم لا يستطيعون المضي قدماً.
هل من طبع الإنسان المجازفة؟! هل المخاطرة، حتميّة في مرحلة من مراحل العمر؟! هل من خصائص المرء السباحة في يم شديد العمق، وهو لا يُجيد السباحة؟! أم أن الرغبة في تحقيق المستحيل، والحلم بالولوج إلى عالم الأغنياء، يجعلان المجازفة مباحة؟! أم أن التطلّع إلى إرساء الأحلام الوردية على أرض الواقع، المتمثلة في توفير المستقبل الآمن للأولاد، وتذوّق العيش المترف، يُجيز التهوّر، ويفتح الباب على مصارعيه للمضاربة بكل شيء في الحياة؟! أم أن الأمر يُعد في حد ذاته، سذاجة في التصرّف، يتحمّل صاحبها تبعاتها، وهو ما يردده رجال الأعمال الكبار، الذين يرون أن المضاربة في البورصة يجب ألا يخترق أرضها، إلا الإنسان الذي يملك فائضاً في ماله، يبيح له اللعب بالنار دون أن يلفحه صهدها! لكنها تظل رؤية الأغنياء، ولغة لا تُوجد في قاموس الضحايا، الذين ساقهم حلمهم إلى المغامرة بكل شيء من أجل امتلاك كل شيء.
 
قد تكون المجازفة في مرحلة من مراحل العمر متعة، والمخاطرة في فترة من فترات الحياة مقبولة، لكن اللعب بورقة “الجوكر” الوحيدة في أيدينا، قصر نظر عواقبه وخيمة. أحياناً هذه الورقة قد تكون المفتاح الذي يفتح أمامنا كل الأبواب المغلقة. لا ترمِ بكل البيض في سلة واحدة، فقد تأتي الرياح وتكسره عن آخره! ابقِِ في الخفاء بعضه، فعندما يشتد جوعك ستجد ما يسد رمقك دون أن تفقد ماء وجهك.