مزج الفن بالسياسة!

مزج الفن بالسياسة!

مزج الفن بالسياسة!

الأحد 3/10/2010

 
عتبر المسرح الإنجليزي من أفضل مسارح العالم. وأحرص إلى اليوم كلما زرتُ لندن على حضور واحدة من عروضه المسرحيّة. وقد شاهدتُ ثلاث مرّات مسرحية “ماما ميّا” الشهيرة لشدة إعجابي بها حيثُ تتخللها رقصات جميلة تُؤدّى على إيقاعات أغانٍ شهيرة. وقد تمَّ عرض المسرحية بكافة مسارح العالم ولم يزل عرضها ساريا منذ أكثر من عقدين.
 
ظهرت أغنية “ماما ميّا” الذائعة الصيت التي تسمّت المسرحية باسمها عام 1976 على يد فرقة “آبا” الغنائيّة السويديّة، وهو ما دفع حزب “الشعب” اليميني الدانمركي الذي يُعدُّ ثالث أكبر الأحزاب في البرلمان الدانمركي، والمعروف بمعارضته الشديدة لهجرة الأجانب، إلى استخدام موسيقى الأغنية بعد تحريف كلماتها، لتُصبح مديحاً لزعيمة الحزب، يتغنّى بها في مسيراته وفي اجتماعاته.
 
فريق “آبا” الغنائي هدّد بأنه في حال عدم توقّف حزب “الشعب” عن استخدام موسيقاه، سيقوم برفع قضية ضده من منطلق أنه ليس من حق أحد إعادة كتابة أغاني موسيقاه لتتناسب مع اتجاهاته. إضافة إلى أن الفرقة ترفض أن تُستخدم موسيقاها لأغراض سياسيّة.
 
مزج الفن بالسياسة ليس جديداً على دنيا السياسة والسياسيين. وإذا تمعنّا في تفاصيل التاريخ ورجعنا قليلًا إلى الوراء، لوجدنا أن الفن لم يقف يوماً موقف المتفرّج الصامت عمّا يجري حوله من تقلبات ووقائع سياسيّة على أرض الواقع! بل إن هناك من الفنانين العالميين من استهواه عالم السياسة حتّى وصل إلى منصب رئاسة أقوى دولة في العالم وأقصد الرئيس الأميركي السابق “رونالد ريجان” الذي كان أشهر راعي بقر في أفلام “الكاوبوي” الهوليووديّة.
 
وفي عالمنا العربي، وفي مصر تحديداً، كانت لموسيقى الفنان “سيد درويش” دور مهم في تأليب الشعوب ضد الاستعمار، وفي الثورة ضد الاحتلال. ويكفي أن موسيقى أغنية “بلادي بلادي” قد تمَّ اعتمادها شعاراً للسلام الوطني المصري بعد أن قام الموسيقار محمد عبدالوهاب إبان حكم السادات بإعادة توزيعها.
 
قرأتُ أن اليهود يكرهون الموسيقار الألماني الشهير “ريتشارد فاغنر”، والسبب يعود إلى أن هتلر استعان بموسيقاه في إذكاء القوميّة الألمانية إبان حكم النازيّة، وهذا يعود إلى إعجاب هتلر الشديد بموسيقى هذا المبدع. وبالرغم من أن الحكم النّازي قد ولّى إلى غير رجعة مع هزيمته وانتحار هتلر، إلا أن هذا الفنان العبقري ما زالت أعماله الفنيّة محظورة داخل إسرائيل، وكل ذنبه أنه وقع في عشق فنّه قائد غيّر مجرى التاريخ ، فأصبح هو الآخر في نظرهم مُعادياً للسامية!
 
من الذي يظلم الآخر، الفن أم السياسة؟! من المعروف أن السياسة دروبها مليئة بالثقوب، ودهاليزها ملتوية، وتربتها تنزُّ منها المياه الآسنة! وطريق السياسة يستلزم من صاحبه تقديم تنازلات قاسية قد تفقده مع مرور الوقت آدميته وتدفعه إلى التخلّي عن مبادئه! لذا دوماً يُقال بأن السياسة تتعارض مع النزاهة والقيم الإنسانيّة. لذا فالسياسيون بحاجة لأصحاب الفنون الراقية كي يتقرّبوا من شعوبهم ويكسبوا ودّهم وينالوا ثقتهم.
 
الفن من خلال فروعه الكثيرة المتمثلة في الموسيقى والرسم والنحت والأدب الرفيع خدم السياسيين كثيراً، بل وساهم في الارتقاء بفكر الشعوب وفي تبديد الغيوم القاتمة بمجتمعاتهم وفي حل العقد النفسيّة للكثير من البشر.
 
إذا أردتَ أن تعرف حضارة شعب، فانظر إلى مكانة عظمائه وما يُقدمه مبدعوه. بدونهم تتراجع الشعوب إلى الدرك الأسفل من البدائيّة. ولا خير في مجتمعات تدهس على رقاب مبدعيها وتستهين بهم وتطمس عن عمد إنجازاتهم.