ثقافة القدمين!

ثقافة القدمين!

ثقافة القدمين!

الأحد 21/2/2010

 
كنتُ في القاهرة حين انتزع فريق المنتخب المصري كأس بطولة أفريقيا. ولسوء حظي كنتُ في طريقي إلى البيت حين أعلن حكم المباراة النتيجة، وهو ما جعلني استغرق ساعتين للوصول إلى البيت نتيجة الزحام الشديد وخروج الناس إلى الشوارع مُعبّرين عن سعادتهم.

 
من حق الشعب المصري أن يفرح خاصة مع تفاقم الفقر ومشاكل البطالة وتردّي المستوى الاقتصادي، وهو ما جعل الابتسامة تغيب عن وجوه الكثيرين! وأيضا بعد المعركة الطاحنة التي جرت بين الفريق المصري والفريق الجزائري، والتي كادت أن تؤدّي إلى حدوث أزمة سياسية بين البلدين بسبب دخول إعلام الطرفين في المعركة برعونة واندفاع وصلت إلى حد التطاول.
 
معظمنا ضد استخدام العنف في لعبة كرة القدم، لكن أن يصل الأمر إلى التعامل مع هذه الرياضة كقرار مصيري، وعنوان للعزة والكرامة، هنا أضع علامة استفهام كُبرى! وقد حمدتُ الله بالفعل أن فريق المنتخب المصري قد حقق الفوز وإلا كانت ستكون النتيجة وخيمة على الشعبين!
 
أخبرتني إحدى الصديقات ضاحكة بأن زوجها بعد سماعه بالمنح المالية التي يحصل عليها اللاعبون، صار ينهر ابنه إذا وجده يدلف إلى مكتبته، وهو الرجل المثقف الذي أفنى حياته بين الكتب، محرّضاً إياه على التقرّب من عالم كرة القدم حتّى يُصبح بين يوم وليلة نجماً لامعاً يُشار له بالبنان، وكي يلحق الحظ بكافة أفراد عائلته بعد أن أصبحت هذه اللعبة ورقة يانصيب مضمونة للثراء السريع!
 
فالطب الذي يُعتبر من التخصصات الإنسانية المهمة التي ترتبط بها حيوات الناس، يظل صاحبها على مقاعد الدراسة إلى مشارف الثلاثين وبعدها يبدأ حياته المهنية، ليصل إلى سن الأربعين حتّى يتمكّن من الزواج وتكوين أسرة! وهنا مربط الفرس كما يقول إخواننا المصريون، فكيف سنُقنع جيلًا كاملًا بأهمية العلم والثقافة، إذا كان طالبها في النهاية لن يكسب إلا النزر القليل الذي بالكاد سيجعله يُغطّي قوت يومه! وهو يرى بأم عينيه كيف يُعاني المثقفون النزهاء من التهميش داخل أوطانهم، ومن شظف العيش وضيق ذات اليد!
 
أنا لستُ ضد لعبة كرة القدم، ولكنني أرفض أن نعطيها كل هذا الكم من الاهتمام ونغفل عن دعم المجالات الأخرى!
 
قد يقول البعض بأن الهوس بلعبة كرة القدم وبنجومها ظاهرة عالمية. لكن العالم المتحضّر لم يغفل مثقفيه، ولم يتجاهل علماءه، بل يحرص على تقديم الدعم للعلم والعلماء، ويحثُّ الجيل الصاعد على الابتكار، وهذا هو الفرق الجلي الذي يجعلنا نقبع في الصفوف الخلفية في حالة غيبوبة كاملة!
 
عندما أسمع هجوماً من حولي على الأجيال الصاعدة، وأنها أجيال مستهترة مقارنة بجيلنا والأجيال التي سبقتنا، أقف مدافعة بكل حرارة عنهم. فعلى الرغم من ثورة التكنولوجيا التي قدّمت لهم الكثير، إلا أنها أجيال حائرة، تحيا متخبطة بين قيم يُحاول غرسها الآباء في وجدانها، وبين عالم واقعي يُمجد القشور ويُثبت لها بأن تحقيق المكانة الاجتماعية والتمرّغ في الرفاهية لا تمت لعالم العلم والثقافة بصلة!
 
وهو ما يدفعها إلى التعبير علنا عن استخفافها بهذه المبادئ الحياتيّة المتوارثة، ورفضها القاطع لها كونها لن تجني من وراءها سوى الفتات!
 
من حق الشعوب العربية أن تعيش لحظات سعادة، وإن كانت وقتيّة، لكن لتحرص أن لا تُعلّق هذه المشاهد على جدران بيوتها رأفة بأجيالها القادمة وحرصا على مستقبل أوطانها!