أجيال أسرى التبعية!

أجيال أسرى التبعية!

أجيال أسرى التبعية!

الأحد 11/9/2011

 
دوماً أردد بأن الإنسان ابن بيئته، فجميعنا نخرج إلى الدنيا بعقول صافية لا مكان فيها للعنصرية ولا للرجعيّة ولا للتسلّط، ثم تبدأ أُسرُنا غرس قيمها وعاداتها التي توارثتها عن أجدادها فينا. ومن تلك العادات المقيتة إصرار الآباء سير أبنائهم على نهجهم وطريقتهم، غير مدركين بأنهم بهذا الفعل يُساهمون من دون قصد في خلق مجتمع ديكتاتوري لا يؤمن بحرية الإنسان في اختيار طريقه في الحياة!
 
الكاتب الساخر “بلال فضل” له مقال جميل يحمل عنوان (الواد وأبوه) ضمن كتابه (ضِحْك مَجْروح)، تطرّق فيه إلى هذه الظاهرة بالغة الأهمية، وهي قضية الثقافة الاجتماعية الدارجة لدينا في تهيئة الأبناء للسير على خطى آبائهم ذهنيّاً وسلوكيّاً، خاصة إذا كان هؤلاء الآباء ناجحين يُشار لهم بالبنان داخل محيطهم الأسري.
 
ضرب مثلاً بصورة رائعة لشاب أميركي ينتمي لعائلة ثرية معروفة بتأييدها للحزب “الجمهوري”، معلناً فجأة انتماءه للحزب “الديمقراطي”، مما أثار حفيظة والده الذي قرر عقاباً لابنه بالتوقّف عن دفع مصاريف دراسته الجامعية. وقد قام الابن بتأسيس موقع على الإنترنت يحكي فيه قصته ويطلب ممن تعاطفوا مع قضيته مساعدته في تمويل نفقات تعليمه ونجح خلال أيام في جمعها. المدهش في الأمر أن الأب والابن لم تنقطع صلتهما ببعضهما، مؤكدين كلاهما لوسائل الإعلام أنهما ما زالا صديقين حميمين رغم خلافاتهما السياسيّة.
 
غمز “فضل” في مقالته الساخرة على قضية التوريث التي كانت من أهم الأسباب التي أدّت إلى سقوط حكم مبارك، وكيف كان مبارك يسعى إلى أن يرث ابنه الحكم من بعده!! متسائلاً بسخرية:”ماذا لو فكّر جمال مبارك في التمرّد على أبيه والانضمام إلى حركة “كفاية” أو حزب الوفد!”. متابعاً القول..”إنّ مقولة يارب تطلع زي أبوك لو تخلصنا منها بداخلنا، لما ظهرت لدينا يوماً مشكلة التوريث. التوريث أيّاً كان في أي مكان صحرا كان أو بستان!”.
 
وبعيداً عن الصحاري والبحار والبساتين، وبعيداً عن مطارق السياسة التي تحطُّ على رأسي صباحاً ومساء، وبعيداً عن أحداث الثورات التي تجتاح عالمنا العربي وتُلاحقني بتفاصيلها المأساوية من كافة الوسائل الإعلامية السمعية والبصرية، مسببة لي صداعاً مزمناً لم تفلح أقوى المسكنات في إخماده، إلا أن أنني أرى بأن هذه الظاهرة التي تسري في مجتمعاتنا مثل النار في الهشيم تحتاج إلى وقفات وجولات صارمة!
 
ثقافتنا المتخلفة كانت أول من ساهم في شيوع ظاهرة (الفوتي كوبي)، وهي ليست مقتصرة على فئة السياسيين أو رجال الأعمال الكبار والأثرياء، كونها ثقافة مغموسة في أعماق وجداننا العربي، لذا نادراً ما نجد استقلالية في الرؤى عند الآباء في تعاملهم مع أبنائهم وبناتهم، مما جعلنا مجتمعات تهتف بالديمقراطية وفي أعماقها ديكتاتورية في تعاملها مع أبنائها ومصادرة حقهم في تحديد مصائرهم المستقبلية! فكم من أولاد تعثروا في حياتهم بسبب تحكّم آبائهم في مقدراتهم! وكم من بنات عشن حيوات تعيسة بسبب إقصاء بناتهم عن اختياراتهن المستقبلية!
 
الديمقراطية ليست شعارات نرفع يافطاتها على أسطح بيوتنا من دون أن نسير على هديها! الديمقراطية تحتاج إلى تعويد الأفراد على الاستقلالية الذاتيّة. مجتمعاتنا العربية بحاجة إلى تعليم متطوّر يقوم على إشغال العقل وعدم برمجته على مجموعة من المفاهيم الجامدة التي أكل عليها الدهر وشرب! لا يُمكن أن نستيقظ من نومنا قائلين لقد قررنا أن نكون أحراراً. الديمقراطية والاستقلالية وعدم التبعية غرسات صغيرة بحاجة إلى أن نرويها أعواماً طويلة حتّى تطرح آجلاً ثمارها النافعة.