أمسكْ جِنّياً!

أمسكْ جِنّياً!

أمسكْ جِنّياً!

الأحد 02/06/2012

 
أتذكّر وأنا صغيرة، كانت تستهويني قصص الجان والعفاريت. كنتُ أحبُّ الجلوس إلى جدتي لأبي التي كانت حكّاءة عظيمة. أجلس بجانبها وأستمع بانبهار إلى قصصها عن علاء الدين ومصباحه السحري. وكيف كان علاء يحكُّ مصباحه بظفره ليخرج له خادمه المخلص من فوهته قائلاً له عبارته الشهيرة: “شبيّكْ لبيّكْ…عبدكْ بين يديكْ”.
 
أفلام كثيرة أنتجتها السينما المصرية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عن الفانوس السحري والجنّي المسكون بداخله القادر على تحقيق المعجزات، والذي كان من أهمها فيلم (الفانوس السحري) الذي أدّى دوره ببراعة الفنان إسماعيل ياسين في قالب كوميدي جميل.
تُعتبر السينما المصرية السبّاقة في إنتاج هذه النوعيّة من الأفلام، ولم تتجه هوليوود إليها إلاّ في السنوات الأخيرة، وصبّت موضوعاتها في قدرات الجن الخارقة وكيفيّة إخراجهم من الأجساد الملموسة، وغدت تُلاقي عند عرضها نجاحاً ساحقاً، ونجحت في استقطاب جمهور كبير لها.
 
قصص الجان عادت إلى واجهة حياتنا المعاصرة بقوة مع الإشاعة التي أطلقها مجهولون بوجود جان في الأبنية المهجورة، مرفقة بدعوة الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي بالإنترنت، وعبر رسائل البلاك بيري والوتس أب، على وجوب التجمّع عند هذه المباني بحثاً عن الجن!
 
استجاب عدد من شباب الرياض لهذه الدعوة الشجاعة!! وقاموا بمداهمة مستشفى (عرقة) المهجور منذ ما يزيد عن العقدين، وقاموا بإشعال النيران في حجراته وهم يرتدون الأقنعة، مصدرين ضجيجاً لطرد الجن من مبنى المستشفى. وقد حذا حذوهم أعداد من الشباب بمدن متفرقة داخل السعودية كالخبر وعنيزة وبريدة في اقتحام المباني المهجورة بمناطقهم، مما دفع الدوريات الأمنية إلى فض هذه التجمعات.
 
لا أحد يُنكر وجود الجن، فهم جزء من ثقافتنا الدينيّة وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم. لكن يظهر بأن جان اليوم “خايبين”: بمعنى أنهم فقدوا قدراتهم الخارقة، ولم يعودوا قادرين على الطيران على بساط الريح والتنقّل من مدينة لمدينة، أو السكن في أبراج عالية، وانتهى مصيرهم إلى السكن في مبانٍ مهجورة لا يطأها الإنس!
 
بالتأكيد بعض القنوات الفضائيّة العربية ساهمت هي الأخرى في ترسيخ فكرة الجان، من خلال تسخير بعض برامجها التلفزيونيّة لاستضافة رجال دين معينين، يقومون بتقديم عروض حيّة عن كيفيّة طرد الجنّي من جسم الإنسان، محققة عند أوقات بثّها نسبة مشاهدة عالية، وهو ما ساهم في ترسيخ هذه الثقافة بين مختلف الشرائح بمجتمعاتنا العربيّة.
 
ما أدهشني حقيقة أن يترك الشباب الأمور الجوهريّة المتعلقة بقضايا مجتمعهم والتغاضي عن مشاكلهم المستقبليّة والانشغال بمطاردة الجن! كنتُ أتمنى من هؤلاء الشباب أن يُطالبوا بمساءلة وزارة الصّحة عن تقاعسها في تشغيل مستشفى (عرقة) الذي تبرّع به مالكه للوزارة قبل وفاته منذ عشر سنوات! والذي كان تشغيله سيعود حتماً بالنفع على كافة المواطنين.
 
تمنيتُ من الشباب مطالبة أعضاء مجلس الشورى السعودي بوجوب طرح مشكلة ارتفاع الإيجارات السكنيّة على طاولة المناقشات، التي قفزت في السنتين الأخيرتين بشكل جنوني، وأصبح كل مواطن جلّ همّه استقطاع جزء كبير من دخله لسداد إيجار بيته حتّى غدت تُؤرّق مضاجع أولياء أمور الأسر من ذوي محدودي الدخل!
 
كنتُ أود أن يقترح الشباب عبر قنوات التواصل الاجتماعي على الدولة، فرض رسوم على الأراضي البيضاء والتي سيُساهم تطبيقها حسب رأي أغلب الخبراء الاقتصاديين في خفض الإيجارات السكنيّة رحمة بالمواطن البسيط ودعماً للشباب الباحث عن عشٍ للزوجيّة.
كنتُ أتمنى من شبابنا أن ينشغلوا بحقوقهم المدنيّة، وأن لا ينسوا بأن هناك مسؤولين يعيشون بيننا سطوتهم أعظم وأيديهم أطول من مئات الجان!