وجهة نظر 2006

وجهة نظر 2006

﴿ صحيفة الشرق الأوسط الدولية ﴾

﴿ زينب حفني ترسم «ملامح» امرأة سعودية ضلّت الطريق ﴾
﴿ أحداث تبدأ مع هزيمة 67 ولا تنتهي باحتلال العراق ﴾

بيروت / 8 مارس 2006م
 
سوسن الأبطح

 
رواية زينب حفني الجديدة، الصادرة عن «دار الساقي» بعنوان «ملامح» يتجرعها القارئ دفعة واحدة، دون أن يشعر برغبة في استراحة. فمنذ أن تشرع في القراءة، إلى أن تنتهي، ثمة مغامرات تدور في الظلام، في الأقبية الخفية عن الأعين الفضولية. الشخصيات كثيرة، لكن الركنين الأساسيين، هما زوجان، رجل وامرأة، جمعهما بيت واحد، وأحرقهما الطمع، والرغبة في الانقلاب على الشظف، لكن الخيط القوي الذي يلم شمل مغامرتهما الزوجية الجحيمية، يبدو مشوقاً وجذاباً.
 
« اسمعي ، أنا لا أريد فضائح، لقد كتبت فيلا حي الروضة باسمك، يمكنك الانتقال إليها من اليوم، سأترك لك السيارة الكاديلاك التي اشتريتها أخيراً، بالإضافة إلى أنني أودعت هذا الصباح، في رصيدك مبلغاً كبيرا من المال. أعتقد أنني تصرفت برجولة معك .
 
قهقهت لحظتذاك معلقة بنبرة هازئة: رجولة ؟ منذ متى تعلمتها ؟ هذه كلمة دخيلة على هذا البيت ».
 
هكذا تبدأ رواية « ملامح » لزينب حفني، والزوج ( حسين ) يرمي ورقة الطلاق لزوجته ( ثريا )، بعد أن بلغت حياتهما معاً حائطاً مسدوداً.
 
وإذا كانت الرواية تبدأ من حيث كان يجب أن تنتهي، فلأن زينب حفني تلعب بمهارة على حبال التقديم والتأخير في الزمن. فهي تضعنا أمام المعضلة، لتعود بنا إلى علاقة مريضة، مصابة بسوس متعدد الأنواع نخر جسد هذا البيت. فثريا عاشت مع حسين، الموظف المتواضع الدخل، وهي تشعر بامتعاض يؤهلها لأن تفعل كل شيء، كي تنتقل إلى عالم الثروات. غواية المال، جعلت الزوجين يستبيحان كل ما في حياتهما، فعلا ذلك معاً، وهما يتبادلان الازدراء. فمن دعوات المديرين إلى البيت، إلى مداهنة أي مسؤول، كانت ثريا شريكة في حكاية تسلق حسين السوداء، بينما كان ابنهما زاهر، يعاني الإهمال منزوياً في غرفته. حسين شاهد على انحراف زوجته وشريك أيضاً، لكنه لا يقبل لابنه أماً من هذا الصنف المعيب، فيعزله عنها بإرساله إلى مدرسة داخلية في عمّان. بينما تستمر ثريا في غيها بمعية زوجها، إلى أن يصبح الطلاق حتمياً.
 
لكن زينب حفني التي تعجن روايتها جيداً، وتجيد دوزنة أحداثها، لا تريد فقط قص حكاية الزوجين المنحرفين، بل تود أن تذهب إلى جذور المأساة، وتنبش في عمق البيئة التي رعت النبتتين الفاسدتين. ثريا آتية من بيت طيب، يعرف فيه الأب كيف يحب زوجته ويحتضن أولاده رغم رقة الحال، لكن الابنة تشعر بالعار من الفقر وضيق الحال، وتتمنى لو تخرج بأقصى سرعة إلى فسحة البذخ المريح. وحسين طالع من قصة ظلم حالكة بعد أن توفي والده واستولى عمه على أملاكه، وجعل من وجوده في بيته نكدا مستمراً، لولا زوجة العم، التي حفظت له بعضا من حنان. بيئتان رقيقتان، في وسط فيه من الغنى، والإغراء بالثروة، ما يحمل كليهما على سلوك طريق لا تحمد عقباه.
 
زينب حفني في حيلة فنية ماكرة، رسمت الشخصيتين، مع ظلال قوية لبيئتيهما، وجعلت القارئ، وكأنه يعيش في جدة مع الزوجين، أو يتنفس الظلم الذي عاناه حسين في بيت عمه في مكة.
 
لكن النفس الروائي لزينب حفني الذي يبدو انه يتجلى هذه المرة بما لا يقاس، بروايتها السابقة «لم أعد ابكي» يجعلها، وفي سرد ممتع، لا تتوقف عند خلفيات البيت الذي تهدم على رأس الزوجين، بل تذهب بنا لنرى معها ما آل إليه حال الابن زاهر، وما كانت نتيجة هذا التهتك الذي عاشه أبواه على مساره.
 
وإذا كانت الرواية تعود بنا في أحد فصولها إلى عام 1967 حينما كان والد ثريا يسمع أنباء الهزيمة من المذياع، فإن الأحداث تمتد إلى ما بعد الحرب الأميركية على العراق. فابن ثريا الذي كبر وأرخى لحيته وعاد من الأردن، سرعان ما يرفض العيش مع أمه ويتوجه ليجاهد في أفغانستان، ثم يحاول التسلل إلى العراق حينما تبدأ الحرب الأميركية هناك، ليموت ويترك وراءه أماً، تراجع سجلها الأمومي فتجده خاوياً.
 
ثريا التي سافر طليقها إلى لندن ليبني حياة جديدة ينسى خلالها، سقطاته وموبقاته معها، تعيش وحيدة في فيلتها الفاخرة، تحاول أن تنتعش بمزيد من التجارة وفائض من الأرباح، وبحث لا ينتهي عن رجل أو مطلق شخص يملأ هذا الفراغ الأبدي في روحها.
 
ثريا لن تتوب عن غيها، ولن تشعر بالتعب والإنهاك، من رحلة حياتية مجنونة وضآلة، إلا حين يذوي منها الجسد، وتصبح عجوزاً وحيدة، بلا مؤنس، أو صديق أو حبيب.
 
من الصعب أن يفهم القارئ لماذا اختارت زينب حفني لهذين الزوجين المنحرفين نهايتين متناقضتين: نهاية مفتوحة محمولة بالأمل للرجل، وتراجيديا مطبقة للزوجة، رغم شراكة الاثنين. لا تقول الكاتبة، إن المجتمع يغفر للذكور مغامراتهم السوداء، ويجعل المرأة تدفع الثمن مضاعفاً. لكن ثمة في الرواية ما يشي بذلك.
 
رواية محبوكة بلغة رشيقة ووفق منطق زمني محكم. وقد وفقت الأديبة حين جعلت الزوجين يتقاسمان دور الراوي، هو يحكي من زاويته، وهي تروي على طريقتها. وجهتا نظر تؤججان الإحساس بأن الفرد بنجاحاته وسقطاته، إنما هو ضحية نفسه، لكنه أيضا ضحية تاريخ طويل، قد لا يكون صنيعته وحده.

 

﴿﴾
 

﴿ نساء جدة بعد بنات الرياض ﴾

﴿ ملامح لزينب حفني: سرد يكشف المستور ﴾
12 مارس 2006م
 
خالد الحروب

( إعلامي من فلسطين يقيم في لندن )

 
ستزول دهشة من أدهشتهم رواية رجاء الصانع بنات الرياض عندما يقرؤون رواية ملامح لزينب حفني. ليس ثمة هدف للمقارنة بين العملين هنا، لكن مقدار الجرأة والقدرة علي الذهاب إلي أبعد مدى ، كما في ملامح”، تصدم أي قارئ، خاصة وان جو الرواية هو المجتمع السعودي وشخوصها أفراد منه. وإذا كان عبده خال وتركي الحمد وأحمد أبو دهمان وغيرهم من الأقلام الروائية (الرجالية) قد قدموا جرعات صادمة تدريجية ومتنوعة من داخل صيرورة تطور المجتمع السعودي في القرن العشرين (البادية والمدينة، المرأة والرجل، المرأة القوية مقابل المرأة الخانعة، مجتمع ما قبل النفط مقابل مجتمع النفط، الأصولي مقابل العلماني، المطوع مقابل المواطن العادي، الخ)، فإن الأقلام النسائية وفي السنوات الأخيرة تقدم صدمات غير متدرجة، ولا تحاول الاحتيال علي الموضوع أو النص، بل تواجهه بكل فجاجته وتفاصيله بلا مواربة.
 
ملامح رواية وقائعية لها بداية ولها نهاية، ليس فيها تعقيد ولا فذلكة من نوع خاص أو استثنائي. وزينب حفني لا تخلق أية أجواء غرائبية في نصها، أو تدفعه للتوهان بشكل يمازج الواقع بالخيال. هنا سردية خطية سمتها الأساسية الغضب والمرارة والرغبة الجامحة في عدم المرور علي غطاء ما من دون كشفه. تحت تلك الأغطية عوالم من التعاسة، والغدر، والوصولية، والقمع الذكوري، والكذب الباهر المنمق. يتبادر إلي القارئ فكرة ان حفني أوقنت بأن المباشرة التي تقدم فيها روايتها تنطوي علي خيال واقعي ربما ما كان ليمر بخاطر كثير من القراء. الرجل في هذا النص هو المنحط الأول من أول سطر وحتى آخر سطر. لكن رغم انحطاطه، هو الكراهية والحب معاً، إذ لا غنى عنه. بطلة الرواية تكرهه وتعشقه. تنافسه وتحاول أن تصير مثله، يتساويان في الجشع والوصولية، لكن المجتمع يسامحه، ولا يسامحها. يستمر هو، وتموت هي.
 
لكن وقبل كل شيء، ودفعاً لأي سوء فهم أو سوء تصيد، لا يجب أن يُقرأ هذا النص قراءة متعسفة وكأنه يَطلق حكماً علي المجتمع السعودي بأسره. فكأي عمل فني همه هو موضوعه وأبطاله هم الشخوص الذين يحييهم ويميتهم الروائي أو الروائية متى شاء، ويشكل ملامحهم كما يشتهي. وهو في الآن ذاته يبرع في تصوير شريحة من ذلك المجتمع وجدت نفسها في قلب صيرورات اجتماعية وثقافية سريعة الإيقاع، يشكل المال ووفرته والصراع عليه والسباق لامتلاكه عنصراً جوهرياً منها. وهي في المآل الأخير شريحة لا تمثل إلا نفسها ولا يمكن سحبها علي البقية.
 
النص يتربص بما يحدث عندما تضرب صيرورات التحول الاجتماعي الحاد خبطات عشواء وسريعة في طول وعرض الشرائح الفقيرة والغنية. عندها يأخذ الصراع والتسابق علي المال أشكالاً حادة أيضاً. وعندما يعصف السؤال الكبير لماذا أنا فقير، وفلان غني كما عصف بحسين وثريا، بطلي الرواية، كل علي حدة، وكل في منشئه، فإنه يقود المعصوف عليهم إلي النهايات القصوى. واحدة من تلك النهايات هي التصميم علي تغيير حالة الفقر مهما كلف الثمن. بيد أن الثمن في مجتمع محافظ يكون في العادة أضعاف أضعاف ما يكونه في مجتمع غيره. ففي سياق كالسعودي، كيف لفتاة مثل ثريا، ذات النشأة المتواضعة في حي متواضع في جدة وفي عائلة متوسطة، ناقمة علي وضعها الاجتماعي الفقير أن تغير هكذا وضع؟ هل ثمة غير الاحتمال الأكبر وهو الزواج من رجل ثري؟ كيف لها أن تصعد السلم الاجتماعي وفرصها في العمل والدراسة والتنافس الحر محدودة، إن لم تتشبث بفرصتها شبه الوحيدة وهي الزواج. لكن عندما يأتي الزوج علي قياس حسين، الناشئ في واحد من الأحياء الفقيرة في مكة، والموظف الصغير في مؤسسة حكومية، فإن الارتطام القاسي بأرض الواقع يطحن أي أمل بمستقبل مختلف.
 
ليست ثريا وحدها من يتوق لحياة تناظر حياة صديقتها نورا، الغنية والمترفة والتي تعرفت عليها مصادفة خلال مرحلة الدراسة الثانوية، وأدخلتها عالم الرجال والعلاقات الجنسية المفتوحة لكن المحسوبة والتي تتوقف عند الإبقاء علي عذرية الفتاة للحفاظ علي سمعتها مع زوج المستقبل!”. فحسين لا تقل تطلعاته وأحلامه بالغنى عن أحلام ثريا. وكما هي كانت مستعدة للذهاب لأشواط بعيدة في ذلك السبيل، فإن حسين يفاجئها بأنه مستعد للذهاب أبعد بكثير مما توقعته. يدفعها لأحضان رئيسه في العمل، المعروف بأنه زير نساء وصاحب كأس، بأمل الترقية وتحسين الظرف المهني. وينجح! يقدم حسين زوجته ثريا مع كأس شراب إلي سيده، فيبدأ صعود السلم الذي اشتهاه دوماً.
ثريا التي تكره نفسها بعد أن وجدت نفسها في طريق الابتذال التي يرسمها لها زوجها، برجاله وخمره وحفلاته، تعودت هي الأخرى علي هذا النمط من الحياة وأحبته. حسين صار نجمه الاجتماعي يتصاعد مع تصاعد ثروته. صار صاحب رأي ومكانة في المجتمع، و رجل أعمال عصاميا يظهر علي شاشات التلفزيونات وينظر للشباب الصاعد حول كيفية النجاح في إدارة الأعمال والاستثمارات. من جدة إلي الرياض إلي باريس ولندن ولاس فيجاس تتوسع استثمارات حسين وثريا … ويتوسع معها مجونهما المهدف.
 
ثريا وحسين يكدسان أيضا مقتا واحتقاراً لبعضهما البعض يتوازي مع الثروة التي يجمعانها. كل منهما يتهم الآخر بأنه سبب انحطاطه. تتعاظم الكراهية بينهما وتنتهي إلي الطلاق. وقبل ذلك يكون ولدهما الوحيد الضحية الأولي إذ يعيش منطويا منعزلاً، ثم يقرر الوالد تسفيره إلي الأردن لينهي الدراسة الثانوية هناك. يريد حسين أن يهرب من فكرة كونه أباً فاشلا ولئيما، فلا يرى سوي إزاحة ابنه عن ناظريه.
ثريا المطلقة تسكن فيلا خاصة بها، وتتعرف علي عالم النساء. وبها تقودنا زينب حفني إلي عالم النساء المقموعات، المحاصرات بالذكور الشرسين من كل جانب حرصا علي شرفهن. وهناك في معازل النساء، تجرب ثريا مشاركتهن شهواتهن المحرومة التي تزداد مع توسع رقعة فصلهن عن الذكور. نساء يتجاوزن الثلاثينات والأربعينات ممنوعات من مخالطة الرجال، ومن الزواج أحياناً حتى لا تتفتت ثروة العائلة، يعانين بصمت، ثم لا يجدن سوي مثيلاتهن لتفريغ تراكم الشهوات والحرمان والألم . بعضهن يكره الرجال كالطاعون، خاصة من تعرضن للاغتصاب من الأب أو الأخ أو القريب وهن في سن الطفولة. نندهش من نساء جدة هؤلاء أكثر بكثير من اندهاشنا من بنات الرياض !
 
لكن ثريا الخبيرة والمتيمة بعالم الرجال لا تستهويها النساء إلا كتجربة عابرة. تتابع حياة بلا بوصلة وبلا ملامح. تحاول معاودة الاتصال بفؤاد، صديقها أيام نزوات المراهقة الأولى مع نورا، وكانت قد عادت صلتها به بعد انقطاع طويل، وقضت معه ليلة من ليالي العمر في لندن. فؤاد المتزوج من امرأة تقليدية أبقى مسافة بينه وبين ثريا، وعندما صار جداً ودعها وقبلها علي جبينها فقط! بقيت ثريا مع وحدتها وحسب.
 
تقرر ثريا الانتقال نهائيا إلي لندن التي أحبتها كما أحبت باريس. كانت دوماً تتطلع إلي هذه المدن وتحلم بها. لكنها اليوم شبه عجوز كبيرة تنام وتقوم وهي تحلم بأن يتصل بها ابنها زاهر الذي تغير من يوم أن عاد من الأردن. أمومتها معه مصابة أيضا، وهو مجروح من أبويه كليهما. زاهر تدين وسافر للجهاد في أفغانستان، وظل يقرع أمه علي نمط حياتها اللاهي. ثريا التي انفض من حولها الرجال والمعجبون والعاشقون صارت وحيدة إلا من خادمتها. حسين ظل نجمه يصعد ويصعد. هو الآخر نقل أعماله واستثماراته في مجملها إلي لندن. هي ماتت بالسكتة القلبية وحيدة في شقتها، هو تزوج سكرتيرته التي في الخامسة والعشرين من عمرها.
 
﴿﴾
 

﴿ “ملامح ” زينب حفني المحكي الذاتي والمحكي السير ذاتي ﴾

15 مايو 2006 م
 
محمد معتصم

( الناقد الأدبي )

 

تشهد الرواية في المملكة العربية السعودية فورة جلبت إليها الأقلام، ولفتت نحوها الأنظار. ليس لأن الرواية جنس أدبي تعبيري حديث فحسب ولكن لأن الكتابة قد غيرت من مواقفها وخرجت عن الاحتشام، ودخلت في سياق التغيير والتحول العامين اللذين يطبعان العالم والبلاد العربية، وخاصة تلك التي عرفت بانغلاقها على ذاتها وحرصها الشديد على إقامة الحدود الفاصلة بينها وبين العالم الخارجي.
 
والأقلام الجديدة في المملكة العربية السعودية كسرت الكثير من التابوهات والكثير من التصورات السائدة، سواء أ كانت أقلاما نسائية أو أقلام رجال. وفي هذه الدراسة أود التطرق إلى رواية صدرت حديثا بعنوان “ملامح” لزينب حفني، بعد روايتها الأولى ” لم أعد أبكي”.
 
يعرف السرد على أنه متواليات حكائية وسردية، وهو ما يدل على أنه نظام متماسك مهما بدت عراه مترهلة حينا أو متداخلة في أحيان أخرى. وقد أبرزت الدراسات البنيوية خاصة مدى تماسك الحكي وانتظامه عندما أرجعته إلى عناصره البنائية الثابتة، سواء في حال التواتر السردي المنطقي الآخذ بالسباب الخارجية أو بالزمن الفيزيقي، أو في حال تكسير السير الفيزيقي بالانتكاس، والتوازي، والتداخل. وأهم تلك الثوابت: حالة البداية التي تعرف الاستقرار، وفيها يكون السارد أمام حال من تقديم عالمه الروائي للقارئ، وتمهيد الفضاء الروائي المتخيل أمام شخوصه الروائية. وأمام حال من توثيق الصلة بينه وبين القارئ الافتراضي الذي من أجله ستكتب الرواية وتروى الحكاية. وتليها الحالة الثانية التي تعرف حالة من الاضطراب وتَدَخُّلَ عنصر مشوش على الحكاية يكون محفزا للسرد على التواتر، ويساعد على اقتحام شخوص روائية جديدة أو يسمح لشخصيات روائية بالظهور كالمعيق أو المساعد (مفردا وجمعا). كما يساعد الأحداث على التطور والبروز. وهذه المرحلة عبارة عن وحدات (متواليات سردية) متعاقبة من الاختلالات والاضطرابات. أي أنها عبارة عن حيوية سردية. وهي جوهر الحكاية وصلبها. والمرحلة الثالثة الأساس تتمثل في عودة الأمور إلى نصابها. أي العودة إلى حال الثبات بعد العثور للاختلالات على حلول.
 
ويبقى الاجتهاد دليلا على خصوصية وخصوصية وحيوية الكاتب، مدى درايته بطرائق الحكي، والتأثير في المتلقي، والتحكم في عوالمه وشخوصه الروائية. ومعرفته بالقضايا التي يرغب في طرحها؛ أي تحكمه في موضوعه الجوهري. موضوع الرواية، وأبعاده الفكرية والجمالية والسياسية والذاتية…
 
من خلال العنوان “ملامح” نستشف طبيعة الحكي في الرواية. فزينب حفني تقدم لنا هنا ملامح من العالم الآخر الخفي لما يقع خلف الأسوار المنيعة لمجتمعها. تلك السوار المنيعة التي رفعتها التصورات المسبقة والأحكام التي تم الترويج لها. عالم منغلق على ذاته. محافظ. متشدد في أحكامه. صارم تجاه كل ما يخدش الحياء العام…
 
زينب حفني تقدم لنا الشخصية في هذا العمل الإبداعي، لا البلد. تود توجيه أفكارنا على النفسية المحرومة التي عانت من اليتم والقهر (حسين). والتي عانت من الخوف من الحاجة، واستبدت بها الرغبة في الوصول بكل الوسائل والوسائط (ثريا). والشخصية التي تعاني من الترف والوحدة والإهمال (نور). والنفسية التي تعاني من سلطة الإخوة وسطوتهم وجشعهم (هند). وشخصيات روائية أخرى مؤثثة للفضاء الروائي مكملة لمسار الشخصيات الرئيسية. لقد اختارت الكاتبة الحديث عن عالم مختل مضطرب، وعن شريحة اجتماعية منبوذة ومهمشة، لكنها موجودة وقد فرضت حضورها في المجتمع. وقد اختارت الكاتبة الحديث عن الشخصية لتقف بقوة على الأسباب التربوية والعودة إلى مرحلة الطفولة وتشكل الذات.
 
في هذه الرواية تقوم الساردة والشخصية المحورية (ثريا) بتشريح نفسية الإنسان المقهور الخائف، والرازح تحت ثقل الفاقة وحب الذات والوصول إلى مواقع المال والقرار. وعلى هذا الأساس يقوم الحكي الذاتي في الرواية على ثلاث محكيات أساسية هي كالتالي، حسب الأهمية:
 
• محكي ذات ثريا.
• محكي ذات حسين.
• محكي ذات هند.
 
وإذا كان الحكي يقوم على ثلاث محكيات ذاتية فإنه اختار أن يتمظهر وفق صورتين؛ أولا محكي متوازي، كل شخصية تحكي عالمها، ودوافعها النفسية، والإكراهات الاجتماعية التي حاكت شخصيتها ونفسيتها. ويتمظهر ثانيا كمحكي تضميني. أي أن هناك حكاية مركزية هي حكاية (ثريا) وضمنها تظهر الحكايات الأخرى كتابعة، تبرز حسب الهيمنة والأهمية. وقد اخترنا منها حكاية حسين (الزوج/ والطليق)، وحكاية هند (المثلية) التي تعاني من الكبت الجنسي والأسري (الاجتماعي).
 
ولابد هنا من توضيح الفرق بين مفهومي “المحكي الذاتي” أو “محكي الذات” وبين مفهوم “المحكي السير ذاتي” كما سيوظفان هنا. والأمر بسيط جدا. لقد اعتمدت على المرجع المختلف بينهما. ما دام المحكيان معا يعتمدان على ضمير المتكلم (أنا)، وهو موضع التباس. فإن المرجع المعتمد يختلف. وبذلك يكون المحكي السير ذاتي يقوم على المرجع الخارجي، خارج الحكاية. وبالتالي تكون الحكاية تابعة له. أي حكاية المرجع الخارجي وهذا منزع الكتابة السير ذاتية. أما المحكي الذاتي، ومحكي الذات فإن مرجعه هو “المتخيل” أي الحكاية ذاتها كما تصورها الكاتب، وكما أرادها أن تكون وتتشكل في مخيلته. وهنا لا فرق بين الحكاية، ومرجعها الداخلي.
 
وهناك فرق آخر يتمثل في كون الزمن في المحكي السير ذاتي زمن انتهى، ويقوم السرد باستعادته من الذاكرة. وزمن الحكاية زمن الماضي القريب أو البعيد. في حين زمن المحكي الذاتي، ومحكي الذات (شخصية متخيلة، شخصية روائية) زمن لا منتهي، ولا يمكنه أن ينحصر في الاستعادة والاسترجاع، بل يمكنه التطور والتنامي داخل الحكاية ذاتها، كما يعبر عن حاضر الحكاية، ومستقبلها، في صورة استباق زمني…كما يبرهن على ذلك محكي ذات ثريا، ومحكي ذات حسين.
 
في رواية “ملامح” اختارت زينب أحمد حفني أن تسلم الحكي للسارد مباشرة. والسارد شخصية روائية. وهنا يبرز الفرق الدقيق بين المحكي السير ذاتي والمحكي الذاتي. فالأول مرتبط بالسيرة الذاتية التي يوافق فيها المؤلف الساردَ والشخصية، وتزول الحدود الفاصلة بينهم أو تكاد. بينما الثاني تكون فيه الشخصية الروائية ساردا. ولا تسردُ الحياة المتخيلة لشخوص الرواية الأخرى المصاحبة (محكي الذات: سرد سيرة شخصية روائية متخيلة داخل الحكاية بلسان سارد متخيل/ شخصية أخرى). بل تركز على سرد حياتها الشخصية/ حكايتها الشخصية. والفرق بين النمطين السرديين يتمثل في سرد محكي سير ذاتي خارجي مرتبط بالسيرة الذاتية على اعتبار أن الحكاية المروية للمؤلِّف الواقعي. بينما يتمثل الثاني في سرد محكي ذاتي داخلي مرتبط بالسارد الشخصية الروائية.
 
ونوضح ذلك كما يلي:
 
• المحكي السير ذاتي: (أنا) مرجعها خارجي (الواقع). يحكي المؤلِّفُ سيرته الذاتية الواقعية.
 
• (الأيام) طه حسين، (في الطفولة) عبد المجيد بن جلون، (الضريح) عبد الغني أبو العزم، …
 
• المحكي الذاتي: (أنا) مرجعها متخيل داخلي (الحكاية). تحكي الشخصية سيرتها المتخيلة. شخصية (ثريا)، وشخصية (حسين) في رواية “ملامح”.
 
• محكي الذات: (أنا) مرجعها داخلي (الحكاية). تحكي شخصية روائية سيرة شخصية روائية أخرى مصاحبة لها. شخصية (هند)، و (نور)، (إقبال) …
 
اختارت زينب حفني بداية الحكي من لحظة الاضطراب أو بالأحرى قمة الاضطراب التي يبرز فيها (الحل) وليس الحل سوى لحظة الطلاق، وتقاسم الطرفين حصيلة الصعود من الفقر نحو عالم المال والسلطة.
 
ويستمر المحكي الذاتي لثريا على زمنين؛ زمن استرجاعي يعتمد كليا على الذاكرة، ليوضح الأسباب والدوافع الاجتماعية والنفسية التي تقوم عليها شخصية (ثريا). ولهذا تتدرج رواية “ملامح” ضمن رواية الشخصية. والزمن الثاني، زمن الحكاية الحاضر المستمر الذي يرافق (ثريا) حتى لحظات وفاتها. يقول النص في الصفحة الأخيرة:” دخلت الخادمة صباحا، لتعطي سيدتها دواءها كالمعتاد، وجدتها راقدة على وجهها، في الممر الفاصل بين غرفتها ودورة المياه. اتصلت سريعا بطبيبها، كان قد مضى على موتها بضع ساعات، كتب الطبيب في تقريره الشرعي:” سبب الوفاة، سكتة قلبية، وقد وافتها المنية عند الثالثة فجرا”. قدرت ثروتها بملايين عدة، عادت جميعها لأهلها.” ص (160).
 
ومحكي ثريا يندرج ضمن المحكي الذاتي أو الاعتراف. تحكي فيه (ثريا) عن اللحظات الهاربة من المراهقة التي تصاحبها حالة الفوران و”العصيان” كما يرى المربون، والتمرد. وأول ما يتم التمرد عليه الأسرة وقيمها وحدودها، والمجتمع بقيمه وشروطه الصارمة. خاصة إذا كان المجتمع الذي تحكي عنه الرواية مجتمعا محافظا تعامل فيه المرأة معاملة “الرقيق”. لذلك تعرفت رفقة (نور) على مكان للاختلاء بصديقيهما. وتصف الساردة أول لقاء كالتالي:” كان الشاليه صغيرا يطل على البحر مباشرة، شعرت بالاضطراب وأنا أرى فؤاد يتمعن في وجهي وقوامي. خلعت نورا عباءتها، طلبت مني أن أخلع عباءتي أيضا، ترددت، سحبتها مني وهي تطلق ضحكتها الرنانة. وضعت كفي على وجهي حياء. قالت بدلال: ثريا، هيا، لا تكوني كالأطفال. ثم نادت فؤاد متابعة: فؤاد، أنت عليك الباقي. سحبت خالد من يده وتوارت.” ص (28).
 
يمتد المحكي الذاتي لثريا على مساحة الحكاية، تسترجع فيه ماضيها؛ طفولتها ومراهقتها قبل الزواج في الفصل الأول. وتسترسل في حياتها داخل زمن الحكاية بعد الفصل الثاني الذي خصصته الرواية للمحكي الذاتي لشخصية (حسين). هذا القسم السردي منح الحكاية زمنين؛ زمن الاسترجاع والذاكرة. وهو زمن الماضي المنتهي في الواقع، والمستمر في الذاكرة. المستمر في الحكاية كذلك. في صورة التحيين عبر قنوات التعليق والتوضيح والتفسير. ويتجلى ذلك في غاية الكاتبة المتمثلة في الوقوف بقوة على الدوافع النفسية، والأسباب الاجتماعية والفكرية التي شكلت الصورة الذهنية والتركيبة النفسية والسلوكية للشخصية الروائية. وهنا تسترجع (ثريا) الصراع القائم بينها كنفسية وكطموح، وبين ثقافة والديها المحافظة (الخائفة، الرادعة، المحذرة)، وبين قيود المجتمع الهشة المتناقضة التي تميل إلى الاختفاء والتستر، وتغض الطرف عما ليس واضحا فاضحا.
 
والفصول المتبقية عبارة عن متواليات من الأحداث، يبني عبرها السارد جوانب حياة (ثريا) بعد الطلاق. وفي ذلك محاولة لترسيخ عقيدة الشخصية. لأنها لم تتخل عن طموحها، ولم تتراجع عن أسلوبها في العيش، في الوصول إلى غاياتها. بل عبرت عن خوفها الشديد من الوحدة والفاقة والعوز، فطورت من خبراتها وخياراتها في الحياة.
 
يروي (حسين) الظروف التي عاشها بعد وفاة والديه في حادث الحريق. والمعاناة التي عاشها في كنف عمه. والحقد الذي تربى داخله جراء تزوير العم الوثائق للاستحواذ على حق أخيه الهالك، ومن ثمة ابن أخيه.
 
في رواية “ملامح” تركز زينب حفني كثيرا على تحليل البعد التربوي للشخصية الروائية. وكأنها تربط بحبل وثيق الصلة بين رغبات الشخصية والحاجات النفسية والجسدية والاجتماعية التي كبتت في الباطن. تسترجع (ثريا) طفولتها وتفاني والديها في إسعادها وإخوتها قدر الاستطاعة، لكن النفس الطموح إلى الخروج من دائرة الفاقة والفقر، والرغبة في ولوج عالم الغنى والترف جعلاها تتجاوز كل المحظورات وتتوغل في عالم المغامر. ولابد من شخصية مساعدة، مثل شخصية (نور) في سن المراهقة، وشخصية (حسين) الزوج الذي يطمح للارتقاء لكن على حساب دفن المبادئ الأساس كالكرامة والغيرة.
 
ويفسر حسين كل ذلك الطموح والتجاوز بآلام الحرمان التي عاشها في طفولته. والملاحظ حول الشخصيات الروائية في “ملامح”، ومنها طبعا، حسين، أنها لا تعرف، وهذا الفعل يتكرر في النص الروائي كثيرا وعلى لسان شخصيات مختلفة.يقول حسين:” لا أدري هل التخمة، الشبع، حياة الترف، هي التي ولدت عندي إحساسا بالنفور من ثريا؟..” (88). أيضا:” لا أدري هل كنت، من خلالهن، ألملم رجولتي المبعثرة التي أهدرتها بيدي، أم أنني أفعل هذا لأنسى آلامي…” (89). ويقول حسين مثلا:” لا أعرف لماذا خطر على بالي جميل، ذلك الفتى العشريني…” (92). يقول كذلك مؤكدا:” لا أعرف! أو عدت لا أريد أن أعرف.” (94). ثم إنها شخصيات مضطربة يسكنها الخوف وعدم الثقة بالنفس. وهناك أمثلة كثيرة تدل على ذلك في سياقات مختلفة من الرواية.
 
وشخصية حسين مهمة ومركزية أيضا، وبالتالي لا تختلف عن شخصية ثريا. فكلاهما وجد ضالته في الآخر، غير أن نهاية كل منهما كانت مختلفة. لقد أصرت ثريا على طريقها لحماية نفسها وتلبية حاجاتها. بينما تألم حسين من وطأة الضمير، وغير مقامه وتزوج أخرى، وأنجب منها ابنا سماه على اسم ابنه من ثريا كما لو كان يرغب في تبديل مسار حياته. ومن النصوص التي يلوم فيها نفسه وثريا في آن ما يلي، مثلا:” كل ما أعرفه، هو أن شعورا غريبا اجتاحني، وأصبح يسيطر على وجداني، فبت أقرف من كل ما فيها، صوتها، رائحتها، مظهرها، وهذا ما جعلني أرحب باقتراحها النوم في جناحين منفصلين. كنت قد بدأت ألاحظ في عينيها، هي الأخرى، وميض الاحتقار يخبو ويضيء فيهما، متى تلاقت نظراتنا. بل غدوت أشعر بأنني أعيش مع مومس تحت سقف واحد. أصبحت ألومها في قرارة نفسي، أصب جام غضبي عليها، أنها من أوصلني إلى هذه الحال. أعاتبها بأسئلتي في خيالي: لماذا لم تحمني من أطماعي ؟ لماذا لم تحافظي على رابطة زواجنا ؟ لم رضخت لما أريده، حتى لو أدى بك الأمر إلى طلب الطلاق، لتبقي على كرامتك.” (88).
 
في إطار الحديث عن العوالم السرية، وفي إطار الكتابة الكاشفة التي تسلط الضوء القوي على المناطق المعتمة في المجتمع المحافظ الذي شكل أسطورته الخالصة لعقود طويلة، تختار الكاتبة عالم النساء، عالم المرأة. وتعد المرأة حلقة محورية في الكتابة عند زينب حفني، وكذلك عند غيرها. فالمرأة مجال خصب وحي يمكن عبره قياس درجة التطور والتحرر والديمقراطية في المجتمع. وقياس درجة التسامح والتعايش بين الجنسين.
 
من إفرازات القمع والتهميش وحرمان المرأة من حقها في الحياة الكريمة والحرية، خروج المرأة عن سلطة القهر بالسلوك الشاذ، وقد اختارت زينب حفني الحديث عن الحياة الخصوصية للمرأة، وعن المثليات. وقد كتبت في المجال كذلك حنان الشيخ في روايتها “مسك الغزال” عن الموضوع ذاته حينما كتبت في روايتها قصص أربع نساء، ومعاناتهن. ولم تهمل الحديث عن المثلية كمظهر من مظاهر التهميش والحرمان والقهر الاجتماعي للمرأة. فالإخوة، طمعا في الإرث، يتغاضون عن شذوذ أختهم (هند)، ويحبون الحفاظ على ممتلكاتها، والاستحواذ عليها، بدل أن تذهب إلى زوج (غريب). هنا تكمن عقدة هند ومأساتها في آن. تقول (هند):” أحيانا وأنا أنظر في وجوه إخوتي، يحيرني سؤال غبي، إن كان لديهم علم بعلاقاتي المثلية. أستخف من سذاجتي. بالتأكيد هم يغضون النظر ما دام ميراثي بخير، بعيدا كل البعد عن متناول رجل يطمع في الحصول عليه.” ص (130).
 
من خلال محكي (هند) تشرح الكاتبة الحالة النفسية والاجتماعية للجماعة (الفئة). وأقصد الإخوة. عندما تصبح المصلحة المادية أهم من القيمة الأخلاقية والأخوية (آصرة الدم). كما يبرز المحكي الذاتي لهند عن حالة متفشية في الأوساط المحافظة التي تضيق الخناق على المرأة. ومن الممكن أن يكون هذا التوصيف رد فعل من النساء الكاتبات عن تباهي الرجل بمغامراته خارج البلاد. ممكن. فتلجأ المرأة إلى الحيلة والخدعة كرد فعل، وكوسيلة لتبرير السلوك غير السوي.
 
في رواية “ملامح” لزينب حفني تبقى شخصية (ثريا) محورية لأنها تكتسح الفصول جميعا، ونتابعها من مراهقتها بالاسترجاع إلى شبابها ونهايتها (الموت) بالسكتة القلبية. وتليها شخصية حسين لأنها شخصية تم الاعتماد عليها في بناء الفصل الثاني من الرواية. وخصص لها هذا الفصل – وهو فصل طويل ويوازي الفصل الأول الخاص بثريا – لبناء محكيها الذاتي. وتأتي هذه الأهمية كون (حسين) كان من سرد المزدوج الأدوار والوظائف فهو “مساعد” حينما دفع بطموح ثريا إلى أقصاه، وساعدها على تحقيق رغباتها في الوصول إلى الثراء، وتلبية رغباتها الجسدية. وهو “البطل المزيف” أيضا عندما قرر من جهته الانسحاب من اللعبة والتوبة، والهروب إلى لندن والزواج بفتاة صغيرة أنجب منها طفلا سماه (زاهر). وكأنه يريد أن يمحو التاريخ السابق، وأن يلغي الذي فات، وإن بنى عليه ثروته الكبيرة التي أخرجته من محيط الفاقة والعوز، وبنى عليها كذلك اسمه في عالم الأعمال. يقول النص:” حسين أصبح من رجال الأعمال البارزين في لندن، حصل على إقامة دائمة، تزوج أخيرا بسكرتيرته الإنجليزية، التي لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها، أنجبت له صبيا سماه زاهر.” ص (160).
 
أما الشخصيات الأخرى التي ستظهر في مرحلة ما بعد الطلاق فإنها جميعها “شخصيات مساعدة” تطور الأحداث وتنمي السرد نحو نهايته. أما شخصية المعيق فهي شخصية (زاهر) الابن العائد من الأردن أكثر عزلة ثم انخراطه في الجهاد ضد الروس في أفغانستان وضد الأمريكيين في العراق حيث لقي حتفه هنالك. لكنه “معيق” غير فاعل، سالب لأنه فضل الهروب والعزلة. يقول النص:” نهضت من نومي باكية، ضغطت على جرس المناداة، حضرت الخادمة مهرولة، سألتني هل أرغب في شيء، طلبت منها أن تحضر لي حالا ولدي زاهر، نظرت في وجهي باستغراب، قالت: سيدتي زاهر مات قبل أكثر من سنة. صرخت: زاهر مات، كيف مات ؟ أنت كاذبة.زاهر سيعود.
حدث هذا عام 2003، بعد احتلال أمريكا للعراق، قتل مع عدد من رفاقه، بقذيفة أمريكية، مزقتهم أشلاء، وهم يحاولون التسلل إلى داخل الحدود العراقية. كان زاهر قد مكث في أفغانستان ثلاثة أعوام، عاد بعد مدة وجيزة من خروج الروس، عاد بشكل آخر، رافضا العيش في بيتي، بحجة أنني لا ألتزم تعاليم الإسلام، لم أحاول ممارسة الضغوط عليه، اختار المكوث لدى أحد أصدقائه، من الذين كانوا معه في أفغانستان. أصبح يتسبب لي بالمشكلات، كلما زارني…” ص (158).
 
والملاحظة الأهم أن شخصيات رواية “ملامح” شخصيات “لا تعرف” و “لا تتذكر”، ثم إنها شخصيات منطوية على ذاتها تميل إلى العزلة وتبتعد عن مخالطة الناس ومشاركتهم. مما يدل على وجود خلل في المنشأ والتربية والتكوين. وهذا البعد يعتبر محركا قويا للأفعال والشخصيات الروائية في رواية زينب حفني “ملامح”.

﴿﴾
 

﴿ “ملامح” زينب حفني تحط في رام الله ﴾

22 يوليو 2006 م

عبد السلام العطاري
 
( كاتب وشاعر فلسطيني )

 
” كانت، أكثر من رواية،حين اخترقت المسافات،لا نعلم كم محطة توقفت بها ملامح حتى وصلتني من هناك …شكرا لها .. شكرا لساعي البريد”.
 
“إذا كان حاضرنا له أنياب شرسة، ألا ترى انه قادر على تمزيق أحشاء ماضينا مهما كانت درجة حلاوته”*1؟ أسئلة كثيرة أوجدتها الكاتبة المتميزة، زينب حفني، في روايتها ملامح، التي خلقت فينا وأوجدت الشيء الكثير كي نكتب عنه ونتحدث فيه، رواية الحرب الباردة ما بين الماضي والحاضر والحرب، القذرة، التي خاضتها شخوص الرواية التي لم تجعل أو تترك الكاتبة لأي منهم أي غياب وجعلتهم حاضرين حتى آخر مشهد وآخر طلقة موت وصرخة تعلن نهاية حياة، وإذا كانت المؤثرات الجسدية وحضور الأنثى بتفاصيلها هو العامل المحرك لإيقاعات النص، فإن هناك ما هو ابعد من ذلك حين نوغل في أحشاء التفاصيل وحيثيات تضاريس الجسد عندما نقرأ النص بعقولنا لا بأشياء أخرى .
 
ملامح، تنقلنا بإبداع ودقة متميزة على إيقاع ضبط بأدوات فنية وحرفة عالية لا تترك لك مجالا ان تأخذ استراحة خلال إيغالنا في الرواية، أي بمعنى آخر منذ اللحظة التي تبدأ بقراءتها تنسى الوقت، وعامل الزمن يتوقف أو يستمر، المهم لا شأن لك بهما إلى أن تجد نفسك برغبة أكيدة للعودة مرة أخرى إلى حيث يعرض لك جان جاك روسو نفسه على حقيقتها .
 
الحاضر عند زينب حفني له أنياب شرسة تمزق أحشاء الماضي أو ثورة دموية لا تعترف بغير الأحكام بقبضة تمزق كبد الماضي وحتى الحاضر نفسه، وصراع الأضداد الحاضر بكل قوة هو سر جمال وإبداع هذه الرواية، الحاضر المثخن بجراح الماضي بالآمه، بصراخ زاهر وبكائية الهزيع الأخير من الليل، والانزواء في غرف تحتار أين تبكي فيها أو عليها .
 
الماضي المتواضع التي مثلته الأم الطيبة أو الأمومة الجميلة الوادعة والأحلام البسيطة التي كانت تفصّل على طول جسد متوسط، يحمل طوق نجاة لو كان المندل حاضراً، لتجنبنا أماكن الخطر والمحظور والموت المحقق بين أروقة جُدر تفصلنا عن عوالم الحقيقة البسيطة، وغرف النوم المتلاصقة وصالون الضيوف الدافئ البسيط الجميل .
 
” البُله فقط من يفرطون بحقوقهم”2*؟!
 
إذا كانت المسارات في ملامح أزقة ضيقة على شخوصها كانت طرقات شاسعة وفضاء رحب يتسع لحجم الخيالات، ونجد أنفسنا نعيش أدق التفاصيل فيها، نجلس قرب مذياع هرِم قديم، وصوت كان يبعث على الأمل بالانتصار، وان كانت الهزيمة آخر نبرات تجعل أبا جميلا يبكي على آخر القلاع العربية بعد نكسة .
 
هذا ما يجعلنا نعلن قوة الإبداع وعمق ثقافة تمتلكها الرواية والروائية حين أرادت أن تُبكي الوالد الطيب، أوجدت له ما يبرر بكاءه (احتلال فلسطين) مشهد قومي ومضمون عُروبي يجعل للبكاء معنى وقدر وأهمية، ربما تريد صديقتنا أن تبرر البكاء الذي يرد فيما بعد انه لا يقل أهمية عن ذلك الحدث القومي، ولا تقف الرواية عند هذا البعد، لنجد ما هو ابعد من ذلك، بُعدا أممياً مثّلًهُ زاهر الذي ورث ملامح المخزون من الكبت والقهر وبنى حياته على أن لا قيمة للمادة مقابل أن تكون الروح غنية بمضامينها، ليكون الأكثر اتقاء وأكثر ورعاً، على نقيض حالة التشرذم والانحطاط الذي كانت عليه أسرته وزَهَدَ عن ملكوت المادة، ليبحث عن وجه الله، والحنان الذي فارقه في بيت لا تُدَفّئه كل آبار النفط، ليتدثر رحم (ارض السواد) لنجد انه يخرج من بين بيت، أو مشرع بيت، يظن انه بعيد عن كل ما له علاقة بأحداث الكون أو منغصاته والغرق في ملذاتها، شخص زاهد من وجهة نظر الكثيرين صالحا مناضلا لا إرهابيا .
 
ويبقى زاهر الذكرى الخشنة التي ترافق حسين من حيث صراع الشك حول أبوته والتي لم تظهر بشكل واضح وهذا لا يعيب النص بقدر ما يضاف إلى جماله وإبداعه .
 
“صدقوني …لا شيء له قاعدة أخلاقية “3*؟!
 
ملامح، وشاية تنفي انه لا شيء هناك يستحق حين نقع تحت نفي الأخلاق، أيّ حماقة نرتكبها، نحن الشعراء، حين نظن أن عالمنا خالٍ من الضغائن والأحقاد ونرسم حياتنا دائما بلون النرجس ونزرع مداخل قصائدنا وروداً ونصنع جنتنا على ارض تحمل في باطنها براكين وزلازل وانهيارات تفاجئنا دائما! ليست بحاجة إلى تصديق أو تعليل أو مبررات، ما أن تصعد سلالم الـ (ملامح) حتى تجد كل تلك النبوءات كاذبة، وان المادة وسخ الحياة، ونجلس قرب جسد (ثريا) ونعيد الكرّة لأسئلة تحتاج إلى أجوبة، وان كانت زينب قد سرّبتها ولم تجعل لنا غير أن ننسخها كي نخرج بامتياز وتفوق، ونعود إلى ما كُنّا عليه (إذا كان حاضرنا له أنياب شرسة، ألا ترى انه قادر على تمزيق أحشاء ماضينا مهما كانت درجة حلاوته .
 
“اللعنة على الذكريات…فقد اغتالتني”4*؟!
 
ملامح، حياة مُشرّعة، وان كتبت في مدينة الضباب، فلم يَعْلَق بها، وان ولدت صاحبة النص في مدن الرمل لم يكن هناك كثبان فيها، وكانت الرؤية واضحة، ولنُقلع بأمان ..ودونما خوف.
 
﴿﴾
 

﴿ صحيفـة الحيـاة ﴾

﴿ جدار الصحف: من الصحف: الشاعرة السعودية زينب حفني تواجه ﴾ الواقع بإيقاعات العتاب
15 سبتمبر 2006 م

بقلم الدكتور / عبد العزيز المقالح

 
بخلاف أي توقع تفاجئك الكاتبة والشاعرة والروائية السعودية زينب حفني وهي تقدم نفسها – من خلال أعمالها الإبداعية – واحدة من أصوات الزمن الجديد في الجزيرة العربية أسلوباً وموقفاً وطرحاً للقضايا الساخنة عبر الشعر والنثر. كنت تابعتها كاتبة صحافية وإذا بي أفاجأ بإنتاجها الغزير في مجال القصة القصيرة والرواية بخاصة فقد أصدرت ثلاث مجموعات قصصية هي «قيدك أم حريتي» و «نساء عند خط الاستواء» و «هناك أشياء لا تغيب» كما أصدرت حتى الآن ثلاث روايات هي «الرقص على الدفوف» و «ملامح» و «لم أعد أبكي». والروايتان الأخيرتان من منشورات دار الساقي. لها أعمال أخرى من بينها مجموعتها الشعرية «إيقاعات أنثوية» الصادرة عن دار مختارات، بيروت عام 2005.
 
لن أتوقف – الآن على الأقل – عند الكتابات النثرية السردية للكاتبة الشاعرة زينب حفني ولديّ منها روايتان هما «ملامح» و «لم أعد أبكي» لأن نداء المجموعة الشعرية يشدني ربما للعلاقة المتينة التي تربطني بالشعر، أو لأن النص الشعري بما يمتلكه من ذاتية وصفاء أقدر على التعريف بالمبدع وتقديمه إلى القارئ من سائر الأشكال الإبداعية الأخرى.
ويبدو لي أنه إذا كان هناك نوع أدبي يكشف عن مأزق النفس البشرية وجذور فرحها وتعاستها فإنما هو الشعر لاسيما في عالم يكتنفه الخوف وتضيق معه دوائر البوح والإفضاء .
 
منذ النص الأول في المجموعة وعنوانه (على مقاعد الدراسة) تشعر أن هذه الإيقاعات الأنثوية لا تهتم بالرحيل فنياً نحو أفق شعري جديد بقدر ما تهتم مضموناً بأن تجهر بسؤال اللحظة المتحجر فوق الشفاه عن سر التخلف العربي وغياب التفسير الصحيح لظاهرة الوقوف على أطلال الخسائر المتعاقبة وإصابة كل المحاولات الجادة للخروج من هذا المأزق الإنساني بالفشل وهي تجتهد في أن تجد لموقفها هذا معاني وصوراً تفسر أو تؤكد ذلك الموقف:
«في حصص التاريخ / قرأنا عن البطولات العنترية / ودرسنا الكثير عن الحضارة الأندلسية / وقصص عديدة عن الوحدة العربية / لكنها في الحقيقة / ظلت حبراً على ورق / وفي حصص الجغرافيا / علمونا كيف كنا / أرضاً واسعة / خصبة التربة / وكيف حولنا الاستعمار / إلى قرى متناثرة / وقطع متناثرة / أحاطها بأسلاك وهمية شائكة». (ص 5).
 
وفي مقاعد الدراسة ذاتها حيث تلقت الشاعرة حصص الأدب والتاريخ والجغرافيا واصطدمت بالفراغ الواسع بين ما كان وما هو كائن بين أحلام الماضي والحيثيات المأسوية للحاضر، في هذه المقاعد ذاتها نشأ السؤال وثم اتسع وتعمق:
«سألت يوماً معلمتي / عن معنى كلمة حرية / أمرتني أن أحسن فن الكلام / وأن لا أتخطى حدود الأدب / سألتها بشغف… / ماذا عن «ولادة» بنت المستكفي / قالت… كانت امرأة عاهرة / تتباهى في أشعارها / بأعداد عشاقها». (ص 6).
في زمن تتداخل فيه الأصوات وتتشابه، ولا يستطيع القارئ المتابع أن يميز فيها انفرادها واستقلاليتها، يكون من الندرة العثور على صوت يبرهن على تميزه بمعنى حقيقي يعلي من شأن الكلمة وقيمتها في الحياة.
 
وفي أجواء هذا السرد الشعري الذي يجمع بين جسارة المعنى وشعرية الموقف تنداح الصور وتتلاحق المكابدات والتذكارات الشجية، منطقية مباشرة حيناً وغامضة متعددة الأطياف حيناً آخر لكنها في كل الحالات تنجح في تكثيف الحديث عن آلامها وكبريائها:
«أكوّر نفسي في وقعة تأملاتي / لعين الفتيان / أبصق رذاذ أحزاني / على أرضية عمري المتعرجة / بركان اليأس يغلي في أحشائي / زبد الحرمان / يود الاستكانة على شاطئ الارتواء». (ص 26).

 
– 2 –
 

في مدخل الفصل الأول من روايتها الجديدة «ملامح» الصادرة عن دار الساقي 2006 تستعير الكاتبة زينب حفني العبارة الآتية من «اعترافات جان جاك روسو»: «حين يدق ناقوس الساعة، سأقف أمام خالقي المعظّم وهذا الكتاب في يدي قائلاً بشجاعة: هذا ما فكرت به وفعلته ولم أنس ذكر الطالح من أفعالي، ولم أضف من الخبر ما لم يكن موجوداً بالفعل. عرضت نفسي كما كنت: حقيراً أستحق الاحتقار أو عظيماً سامياً في فكري».
 
تمنيت لو انتقلت هذه الاستعارة بالحرف إلى مدخل هذه المجموعة الشعرية، لكان لتوظيفها الرمزي قيمة مضاعفة فهي تضيء أبعاد الحضور الواقعي شعرياً للمسكوت عنه والمهمش في حياة المرأة العربية المبدعة والملاحقة، بفتاوى من لا يعلمون شيئاً عن عملية الإبداع، وعن كون المبدعين في كل واد يهيمون لالتقاط المتخيل والقصصي من الصور، لا لتجسيد حقيقة وإنما لإثبات شهوة البراءة واستضافة المستحيل من المعاني واسترجاع ما اختزنته الذاكرة من شطحات وادي الحلم وهو ما نجحت نصوص المجموعة في إثارته وكشف تجلياته على رغم ان شرطة الشعر التي لا تعرف شيئاً عن قديم الشعر وحديثه موجودة في كل الأقطار العربية والإسلامية من دون استثناء، وهي لا تعرف شيئاً عن حقيقة المجاز ومعنى الانزياح اللغوي والرمز والاستعارة، وتجهل كل مكونات الشعر كما تجهل حرية التعبير ولا تدري أن حرية الشعر سابقة على كل الحريات وخطاب القصيدة قائم في الأساس على هذه الحرية وإذا ما انتزعت منه صار الشعر شيئاً آخر:
«أيها الشاعر الكبير / من قال إنني… / أطمع في قصيدة عصماء / في مرثية ترسمها بأصابع يديك / ألج بها بوابة الخلود / سئمت سيدي / أطباق الرياء / أمعائي تمزقت / من سموم الرياء / أنا امرأة قنوعة / أمانيها محصورة / أن تكون كاتبة عفوية / تقتلع بمخالب قلمها / المدفونة في رمالنا العربية». (ص 34).
 
كأن الشعر بالنسبة الى الشاعرة زينب حفني تجربة حياة أولاً ثم تجربة فنية ثانياً. ومن هنا تغلب السرد المكتوب بلغة نثرية على التعبير الصوري ولولا حالات التوتر الحادة وغزارة الانفعال المنثال بين السطور واستخدام المتضادات القائمة على فكرة المفاجأة لاستحوذ النثر على هذه النصوص وجعل منها قصصاً قصيرة. وقد نختلف مع نقاد كثيرين يرون الشعر خارج الواقع وخارج حياة المبدع بل وخارج المكان والزمان لكننا سنظل نقول إن الشعر إذا فقد التجربة افتقد معها بوصلته المؤدية به نحو القارئ:
«أظل امرأة شرقية / ألقي خمار حياتي على وجهي / إذا نطقت حروف اسمك / وأغض طرفي / كلّما غصت بنظراتك / في تربة أنوثتي / أظل امرأة شرقية / أدفئ رأسي بين راحتي / كلّما داعبت أشواقُك / مكامن براكين / طاوية لوعتي / بين طيات ثوبي / وفي خبايا عقلي». (ص 49)
إن في إيـقـاعـات زيـنب حفني حزناً كبيراً يتماهى في غضب أكبر. وكلاهما، الحزن والغضب، تعبير عن حالات إحباط لا تكاد تخرج عن تلك التي تهيمن على واقع الإبداع العربي وفي الآونة الأخيرة على وجه الخصوص تجسيداً لحالات الانحسار والخسائر والآلام التي يعانيها الجسد العربي الجريح.
 

﴿﴾
 

﴿ ملامح زينب حفني ﴾

21 سبتمبر 2006 م

بلقيس حميد حسن
 
( الشاعرة العراقية )

 
في رواية ” ملامح ” الصادرة عن دار الساقي للكاتبة زينب حفني تكون كلمات جان جاك روسو في اعترافاته هي ابتداء الفصل الأول , حيث تستشهد بها الكاتبة لتقول وبجرأة ما قالته عن واقع شريحة من المجتمع السعودي الذي يشبه إلى حد كبير واقع أكثر البلدان العربية , يقول روسو:
“حين يدق ناقوس الساعة, سأقف أمام خالقي المعظم وهذا الكتاب في يدي, قائلا بشجاعة, هذا ما فكرت به وفعلته, ولم انس ذكر الطالح من أفعالي, ولم أضف من الخير ما لم يكن موجودا بالفعل, عرضت نفسي كما كنت حقيرا استحق الاحتقار أو عظيما ساميا في فكري”
صحيح أن الرواية لم تكن سيرة ذاتية للكاتبة , لتستشهد بما قاله روسو في اعترافاته , لكن وضوح الكاتبة وجرأتها بنقل أحداث اغلبنا لا يعلم أنها جرت أو تجري يوما في واقع المملكة السعودية , يدعوها لان تقول هذا ولتؤكد وجود هكذا أحداث وقصص في مجتمع مغلق كمجتمع المملكة السعودية ..
لقد كشفت الكاتبة الجميلة زينب حفني بروايتها بشاعات كثيرة تخفت تحت أحجية وأغطية رؤوس محتفية بجيوب مليئة وأفواه تأكل بملاعق ذهبية سائرة بمراكب مرسيدس وشبح ..
تابعت الرواية حياة امرأة يعتبرونها محترمة في مجتمعاتنا إذ تغطي حقيقتها بحجاب اسود , امرأة اضطهدتها الموروثات الثقافية فاستغلت ما تملكه هي من ذكاء وجمال لتحتال عليها , ظنا منها انه النصر في ساحة معركة حياة لم تخترها بحرية.. تقول زينب على لسان البطلة :
“كيف تمكنت كل هذه السنوات من العيش مع رجل مثل حسين؟ هل كنت أعيش وقتذاك في غيبوبة طموحاتي, أم أن نشوة المال طغت على آدميتي؟ بتنا لا نتحدث , إلا عند الضرورة , لم تعد تربط أحدنا بالآخر سوى مصالحنا المشتركة. قررنا أن ننام في جناحين منفصلين , لا يأتي جناحي , إلا إذا تحركت غريزته نحوي, وكان هذا يحدث في فترات متباعدة, فكان إذا ما أتم عملية الإنزال, وأراق ماءه في داخلي, أسرع إلى دورة المياه, افرغ كل ما في جوفي في كرسي المبولة ”
 
قد يقول القارئ إن نموذج المرأة هذه, رأيناه كثيرا , وقد مللنا إطلالته علينا لسنوات كثيرة من خلال أفلام التلفزيون المصري , كلنا رأينا رجلا حقيرا يهوى المال, يمنح زوجته بأساليب عديدة ومتنوعة لمدير شركة أو رجل غالبا ما يكون سيد نعمته أو طامع منه بمنصب أعلى – حتى وان هبط بأخلاقه للحضيض – حبا في الاستحواذ على حفنة مصالح تفتح له دروب الثراء مهما كانت تلك الدروب ملتوية ومرفوضة ..
قصة ليست جديدة في حساباتنا كعرب وكشعوب مبتلية بحكومات وتقاليد قاهرة وأزلية لإيراد تغييرها وإن قضت علينا , كما أنها ليست جديدة عن قصص حصلت في غير المملكة السعودية , لكنها جديدة علينا حينما يكون مسرحها أرض البيت العتيق.
إضافة إلى أن الكاتبة تناولتها بأسلوب آخر أرادت به أيقاظ الموتى وتفتيح أذهانهم على نتائج ما يفعلون , لم تكن تقليدية في الطرح ولا مملة , بل كانت تتجدد في كل فصل لتعطينا تشويقا ومتعة وهي تتقمص لسان امرأة مرة وصوت رجل مرة أخرى , لقد قالتهم بتصوير إشعاعي لكل أحاسيسهم المشوهة أو الجميلة , كل بمواجهة ضميره المخبأ عنا وعن العالم , حيث البعض لا يهمه في زحام الحصول على المال أن يقضي على كل شيء بطريقه , وإن كان ابنه أو وطنه.
 
لقد عكست الرواية الكثير من عقد الحياة ومشاكلها التي تستفحل عاما بعد آخر حيث لا تقبل العقليات المتحجرة التخلي عن فكر القرون الوسطى , وحيث تبقى الموروثات البالية تتحكم بنا وتجرنا إلى الهاوية سريعا ونحن سكون .
إن أهم ما طرحته الرواية هو نظرة الرجل الدونية للمرأة, وإن كانت ضحيته , وان دفعها هو بيده صوب الرذيلة وسرق براءتها للحصول على منافعه الشخصية , انه يحتقرها حتى وهو يحتاجها روحيا وجسديا ويمارس معها الفعل البشري الذي يسمى عند المجتمعات المتحضرة فعل الحب , لكن صوته الداخلي وبجينات أجداده يبقى رافضا لها كامرأة محترمة تتساوى مع أمه وتستحق الحب المقدس مثلها , والأغرب بل الأخطر من كل هذا , أن الاحتقار يمتد لابن هذه المرأة , الذي هو ابنه ويجرده من الحب الأبوي , لينخرط الابن أخيرا في تنظيم إرهابي ويقوم بعملية انتحارية يقتل بها نفسه ليقتل أبرياء , بعد أن تعقده قسوة أبيه الذي يبعده عن المنزل متفاخرا بقوله انه أرسل ابنه لمدرسة خارجية باهظة الثمن .
لم تكن ألام سوى الحب المهزوم , الضائع بين التمسك بحياة أدمنتها , وبين رؤيتها فلذة كبدها مقهورا صامتا, معقدا وبعيدا عن طبيعة أقرانه الأسوياء , هنا تكمن أهمية الرواية التي تعكس تفكك العائلة وضياعها بسبب عقلية قيم بالية يدخل الكره والاحتقار بها كعنصرين يخربان سلام الأسرة , ويدفعان المراهقين إلى طريق وعرة لا عودة منها غالبا..
والسبب واضح وهو, أن المجتمع قد حرم المرأة من آدميتها وتحكم بمقدراتها كأقل من إنسان , دون الاعتراف بان هذا الحرمان يهد جدار الأسرة حجرا حجرا, وبالتالي يهد بناء المجتمع الذي بات يعاني من الإرهاب كأخطر مرض يضرب الجذور من الأعماق ..
الضحايا هنا هم الجميع, الكل معرض للموت بجسد إرهابي في أي مكان من العالم , مهما كانت الضحية ودوافعها وكيفما كانت فقد تفاقم الوضع وبات من الضرورة بمكان البحث عن أسباب العلة من المصدر وبداية الحل تكمن في حقوق كثيرة أولها حق المرأة بالمساواة والاحترام, فهي حجر الأساس للخلية الأولى لأي مجتمع ..
لقد كانت الكاتبة زينب حفني موفقة في روايتها إلى حد أذهلني وأنا افتح أوراق حياة بطلة محجبة في شوارع المملكة العربية السعودية, وافتح غرفا تعيش ليالي ألف ليلة وليلة بكل جواريها , خمورها , ظلمها , نوازعها وحتى ألوان شموعها
لقد أعطتنا الرواية حقا ملامح مذهلة , ورؤية حقيقة ما كنا قد رسمناها في مخيلتنا لمجتمع المملكة , ومن أين لنا أن نصل أليها والمجتمع يكتظ بالمحرمات والممنوعات والمقدسات ..
زينب حفني كشفت المستور بكل شجاعة وجرأة وأستطيع أن اختصر رسالة الرواية بجملة واحدة, هي صوت أرادته الكاتبة أن يقتحم الآذان والعقول , خاطبت به السادة المتحكمين بمصائر النساء :
هذه بضاعتكم ردت إليكم فما انتم فاعلون ؟…
 
﴿﴾
 

﴿ ملامح لزينب حفني ﴾

خوض في التابوات
﴿ المحرمات ﴾

٦ ديسمبر 2006 م
 
بقلم الدكتور / عادل الأسطة
 
( الناقد الفلسطيني )

 
في عام واحد صدرت طبعات ثلاثة من رواية الأدبية السعودية زينب حفني، عدا طبعة الأرض المحتلة (فلسطين) التي هي صورة عن الطبعة الثالثة الصادرة عن دار الساقي (لندن)2006.
 
وسنكون نحن، قراء الأرض المحتلة، قرأنا في هذا العام، ثلاث روايات سعودية هي “الحزام” لأحمد أبو دهمان، و “بنات الرياض” لرجاء الصانع، وأخيراً “ملامح” لزينب حفني. هذا إذا غضضنا الطرف عن روايات الكاتب النجدي، كما يحب هو أن ينعت نفسه، عبد الرحمن منيف الذي صدرت له بعد موته روايته الأولى التي لم يرغب في نشرها في حياته، وهي “أم النذور”.
 
وربما نكون انقطعنا عن أدب الجزيرة العربية منذ فترة طويلة، ولم نعرف عن أحوالها، إلا من خلال النصوص التي يكتبها أدباء عرب أقاموا فيها، ثُمَّ غادروها، وكتبوا عن تجاربهم هناك. نذكر على سبيل المثال رواية يحيى يخلف “نجران تحت الصفر”، ورواية جمال ناجي “الطريق إلى بلحارث”، ورواية إبراهيم نصر الله “براري الحمى”. وهي روايات تظهر قسوة الحياة في شبه الجزيرة العربية أو في صحراء المملكة العربية السعودية، حيث عَمِلَ هؤلاء الكتاب، لفترة قصيرة، معلمين في قرى نائية. وتختلف عن رواياتهم روايات كتاب لم يقيموا، في القرى، وإنما أقاموا في المدن، وإن لم يحدد هؤلاء الأماكن بالضبط، كما هو حال ليلى الأطرش في “امرأة للفصول الخمسة”.
 
وقد تكون الصورة التي أبرزها الأدباء العرب سلبية إلى حد كبير، وربما اتهم بعضهم بعدم الوفاء للدولة التي رحبت به. وقد يكون السبب عائداً إلى اختلاف العادات والتقاليد، وقد يكون أيضاً طبيعة المكان الذي ذهب الكتاب إليه، المكان القاسي الذي قرأنا عنه في الشعر الجاهلي، في لامية العرب وشعر الشعراء الصعاليك والحطيئة أيضاً.
 
وتختلف الصورة التي قدمها أبناء المكان، مثل أحمد أبو دهمان، فبطل روايته هو ابن القرية، لا الوافد إليها من مكان آخر، قد تكون ظروف الحياة فيه أقل قسوة. وربما احتاج المرء إلى قراءة مزيد من النثر القصصي السعودي، ليرى الفارق بين ما يكتبه الذاهبون من العرب إليها – إلى السعودية، وبين ما يكتبه العرب السعوديون الذين ألفوا المكان، لأنهم نشئوا فيه، ولأن عاداتهم وتقاليدهم تبدو لهم غير ما تبدو لآخرين لهم عادات وتقاليد مختلفة. إن إنجاز دراسة، في هذا الموضوع، ستبدو مثمرة، ولعل طالب دراسات عليا يخوض فيه.
 
وأول ما يلفت النظر، قبل أن يدلف القارئ إلى صفحات الرواية، هو صدور ثلاث طبعات لكاتبة لها باع في كتابة المقال أكثر مما لها باع في عالم الرواية، في عام واحد، وبخاصة في العالم العربي الذي نادراً ما شهد طباعة عمل واحد، في عام واحد، غير طبعة، حتى لأدباء مشهورين مثل نجيب محفوظ ومحمود درويش. الطاهر وطار، على سبيل المثال، أديب جزائري مشهور ومعروف في المشرق العربي وفي المغرب العربي، وهو كاتب جاد ورصين، ومع ذلك فإن الطبعة الثانية من أية رواية من رواياته قد تصدر بعد عام أو عامين أو ثلاثة من صدور طبعتها الأولى. وربما، إذا ما أنجز عملاً جديداً، ربما لم يحالفه الحظ في نشره فوراً. في الأعوام الأخيرة شكا من ذلك.
 
زينب حفني في هذا الجانب محظوظة، حظها حظ أحلام مستغانمي الأديبة الجزائرية، فهل يعود السبب إلى تميز روايتها جمالياً أم إلى أنها خاضت في المحرمات؟
 
لا شك أن أحلام مستغانمي قدمت عملاً مميزاً، من ناحية جمالية وأسلوبية، عدا جرأتها في الكتابة، فقليلة هي الأعمال الروائية التي وظف فيها أصحابها الضمير الثاني: الأنا/ أنت، سواء تطابق هذان أم اختلفا، وكان المرسل غير المرسل إليه. إنها أعمال تعد على أصابع اليدين على أية حال. فهل جددت زينب حفني في أسلوب الرواية العربية؟
 
قد تكون رجاء الصانع، في هذا الجانب _ أعني التجديد في الأسلوب – أوفر حظاً بكثير من زينب حفني، فرجاء التي تذكرنا روايتها برواية إميل حبيبي “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل” (1974)، من حيث أسلوب الرسائل، أفادت من التكنولوجيا الحديثة، وبذلك تكون تشابهت مع المتشائل واختلفت معها في الوقت نفسه. تشابهت معها في الأسلوب، واختلفت معها في أن مرسل الرسائل كان يتفاعل مع قرائها، ويقرأ ردود أفعالهم – وإن كان ذلك لعباً فنياً – ويبني رسائله اللاحقة عليها، وهذا لم يتوفر لإميل، ربما لعدم توفر تقنية (الانترنت) زمن كتب روايته.
 
وإذا ما نظر المرء في أسلوب رواية زينب حفني، وبحث عن شبيه له في روايات عربية سابقة، فلا شك أنه واجدٌ روايات كثيرة صيغت بهذا الأسلوب: تعدد الرواة. في “ملامح” نحن أمام أكثر من راو يروي روايته، يبوح باعترافاته. أمام ثريا وحسين وهند، وسيكون النصيب الأوفر لثريا. لقد عرفت الرواية العربية رواية وجهات النظر وتعدد الرواة على يد نجيب محفوظ ويوسف القعيد وآخرين. وهكذا يمكن القول إن الجدة في الأسلوب ليست هي السبب في طباعة “ملامح” ثلاث طبعات في عام واحد. إذن أين يكمن السبب؟
 
ربما يعود السبب في ذلك إلى أن الكاتبة خاضت في المحرمات. لقد لامست موضوعات حساسة، ربما لم تلامس من قبل، من كاتب سعودي، وأرادت الكاتبة أن تجعل من روايتها عملاً أدبياً لا يقل، في جانب الاعترافات، عن اعترافات (جان جاك ريو). وليس عبثاً أن صدرت الفصل الأول بمقطع من اعترافات هذا الأخير، وجعلت أبطالها يسيرون على خطاه. ستقص ثريا بجرأة نادرة، ربما لم نجد لها مثيلاً، إلا في “الخبز الحافي” لمحمد شكري، وفي “الرواية” لنوال السعداوي، وفي “يا سلام” لنجوى بركات.
 
إن بعض الصور التي قدمتها حفني للرجل مألوفة في الرواية العربية، وإن كانت قليلة، فحسين الديوث لا يختلف كثيراً عن محجوب عبد الدايم في “القاهرة الجديدة” لنجيب محفوظ، وربما لا يختلف كثيراً عن مثيله في رواية ليلى الأطرش “امرأة للفصول الخمسة”. وربما يكمن الفارق، بين زينب وليلى في أن الأولى هي ابنة السعودية، خلافاً للثانية. قد يكون السعوديون سمعوا الكثير من العرب الذين ذهبوا إلى هناك، بخاصة بعد مغادرتهم، عن وصفهم بكذا وكذا. ولكن أن يصدر الاتهام عن سعوديين، يصفون المجتمع السعودي بكذا وكذا، فهذا ربما ما يبدو صادماً.
 
ولكن السؤال الذي يثار هنا هو: هل تسيء زينب حفني للمجتمع السعودي؟ ويتبع هذا السؤال سؤال آخر: هل تريد الكاتبة الدعوة لقيم جديدة أم أنها تريد ترسيخ القيم القديمة وتعزيزها؟
 
إن كانت هناك إساءة فلا تكمن، فيما أرى، في أنها كتبت عن ديوث سعودي، وفاجرة، أو مثلية. عن شخوص، في سبيل تحقيق ما يطمحون إليه، يدوسون على القيم جميعاً، ويتخلون عنها. (حسين يريد أن يغدو غنياً، فلا يمانع في أن تمارس زوجته الجنس مع المسئول عنه، حتى يسهم هذا في ترقيته، ومن ثم يصل حسين إلى أعلى وأعلى، وهذا ما تم له). فربما يكون مثل هؤلاء موجودين. ربما. ولكن لا أظن أنهم هم النموذج الأبرز. حقاً إن الرواية تأتي على نماذج مغايرة، محافظة وسعيدة وقنوعة، لا تصل إلى ما وصل إليه حسين، أو ما وصلت إليه ثريا، فوالد هذه ووالدتها شرفاء. فقراء ولكنهم قنوعون، ولا يسلكون، في سبيل التخلص من الفقر، مسالك تدفعهم إلى الرذيلة. ولكن الرواية تبرز، أكثر، من هؤلاء حسيناً وثريا. هذان هما اللذان يتحدثان ومثلهما هند؟ وربما يكون قصد الكاتبة يكمن في نهاية الرواية، فثريا، كأنما من خلال اعترافها، توحي لنا بأنها أخطأت، وتمنت لو نهجت نهج أمها، وسارت على الصراط المستقيم. وربما ما يعزز هذا الإهداء الذي مهدت له الكاتبة روايتها: “إلى كل نفس فقدت ملامحها”، كأن الكاتبة هنا تقول لهؤلاء: اتعظوا، ولا تفقدوا ملامحكم. كونوا أنتم حتى تعيشوا هادئ البال، ولا تفكروا في أن تكونوا غيركم، لأنكم إن فعلتم هذا فسيكون مصيركم مصير ثريا وحسين: الوحدة والوحشة والموت بعيداً عن الأهل والأحباب. ولعل زينب حفني تدعو إلى ترسيخ القيم القديمة أو بعضها على الأقل. وهي لا شك تحارب مفاهيم بالية.
 
إنّ ما آلت إليه هند، هذه التي رفض إخوتها أن يزوجوها، حتى لا تذهب ثروتها إلى غيرهم، فتحولت إلى مثلية، إنّ ما آلت إليه هند لهو مما تحاربه زينب حفني. لا شك في ذلك، فمآل هذه الشابة، حرصاً على المال، لهو مما يحاربه الدين والعقل والحس الإنساني. وهكذا فإن هندا المثلية ضحية العادات والتقاليد والأثرة وحب المال.
 
وعلى العموم يمكن القول إن “ملامح” تضاف إلى روايات عديدة أنجزها روائيون وروائيات عرب معاصرون، خاضوا فيها بجرأة – أنا أحسدهم عليها، لأنني أبدو غير جريء قياساً لهم – خاضوا فيها بجرأة في موضوعات كانت تمس، ربما، مساً، وتلامس ملامسة، – علماً بأن قارئي تراثنا يكررون دائماً أن أسلافنا كانوا أجرأ منا بكثير – تلامس ملامسة محرمات الجنس والطبقة والدين. و “ملامح” واحدة من هذه الروايات التي أظن أن تدريسها في الجامعات غير ممكن.
 

﴿﴾