الالتحام مع جيل الشباب

الالتحام مع جيل الشباب

الالتحام مع جيل الشباب

الجمعة 1/7/2005

 
لا يمكن للمجتمعات أن تحقق أمجاداً، دون أن تنشر فكرا مستنيرا، ومن المستحيل أن تبني صروحا، دون أن تعززها بقواعد راسخة، ومن رابع المستحيلات أن تحرث أرضا، دون أن تغذي تربتها بالسماد، حتّـى تطرح ثمارا نافعة على المدى البعيد.
 
في إبريل الماضي، شاركت في ندوة “المرأة والإبداع والتاريخ”، التي أقيمت بجامعة القاضي عياض بالمغرب، وعلى الرغم من أن محاضرتي كانت تصب فيما تتعرض له المرأة العربية المبدعة من معوقات، وتهم زائفة، إلا أنها كانت فرصة سانحة لي، للالتقاء بالطلبة والطالبات في المدرّج الجامعي، والحوار معهم حول مجمل القضايا العربية.
 
هذا التفاعل المباشر مع جيل الشباب من الجنسين، أفسح أمامي المجال لكي أطّلع على رؤيتهم الحياتية، والرد على استفساراتهم فيما يجري من أحداث دامية تمر بها منطقتنا العربية، ومواقفهم الشخصية منها.
 
لقد شممت للأسف رائحة الإحباط تغلف نبراتهم، ولمست نبرة الخيبة في أصواتهم، حين يأتي الحديث عن توقعاتهم المستقبلية. قالت لي إحدى الطالبات: المستقبل بالنسبة لي قاتم، فلا أعتقد أنني سأجد عملا لائقا بعد تخرجي، لذا فأنا أفكر في الهجرة. وسألني أحد الطلبة بأسلوب حماسي: ألا تعتقدين بأن الإرهاب، الذي أصبح متوغلا في مجتمعاتنا العربية، تتحمل الحكومات جزءا كبيرا من مسبباته! رددتُ عليه… كيف؟! أجابني بنفس الحماسة… الحكومات العربية لا تهتم بنا، لا تتبنى طموحاتنا، لا تأخذ بيدنا، تصمُّ طوال الوقت أذنيها عن مطالبنا، كل ما نسمع وعود تتبخر في الهواء عندما تصطدم بأرض الواقع. وعلّق آخر… إننا لا نثق بمسؤولينا، كل تصريحاتهم كاذبة، الحرامية هم الذين يأخذون حقهم في أوطاننا، نحن جيل بلا مستقبل!.
 
بالرغم من إحساسي بالأسى لما سمعت، إلا أنني كنتُ سعيدة، لأني كسبت ثقتهم، ودفعتهم لأن يفتحوا لي قلوبهم لأستمع إلى نبضات أفكارهم.
هذه التجربة الجميلة التي عشتها، جعلتني أزداد تمسكا بوجوب قيام المؤسسات التعليمية من مدارس وكليات وجامعات، بفتح قنوات مباشرة بين المثقفين العرب، وبين الجيل الصاعد، من خلال إفساح المجال أمام الكتّـاب والأدباء لسرد تجاربهم الذاتية، ومنحهم الفرصة لغرس أفكارهم النيرة في عقول الأجيال الشابة، لامتصاص غضب الجيل الصاعد الذي يعيش انتكاسات نفسية خطيرة، ويتجرّع يوميا كؤوساً من المرارة، ويعيش حالة من التخبّط الاجتماعي، حتّـى لا يصبحوا لقمة سائغة في يد المتطرفين.
 
كما يجب على الإعلام العربي، الذي تعوّد استضافة الفنانين والفنانات على اختلاف مستوياتهم، أن يلتفت لمشاكل الشباب، من خلال استقطاب المثقفين، لكي تتبنى الأجيال الجديدة معتقداتهم المعتدلة، بعد أتلفت الأفكار الهدامة عقول الكثير من الشباب.
 
المشكلة أن هناك ظاهرة خطيرة في معظم المجتمعات العربية، أن الثقة غدت معدومة بين المثقف والأنظمة العربية، التي تنظر للكاتب أو الأديب بأنه معاد لها، كونه يتطلع دوما إلى بناء مجتمع فاضل قائم على مبادئ العدل والمساواة والحرية، مما يدفع هذه الأنظمة إلى وضع العراقيل أمام المثقف العربي، ومصادرة فكره، حتّـى لا يصل للناس، ويدفعهم للثورة عليها!.
 
هذه النظرة الحذرة التي تنظر بها الأنظمة للمثقف العربي يجب أن تُـعاد صياغتها من جديد، فالمثقف الحقيقي هو الفانوس السحري للشباب، صحيح أنه لن يحقق لهم آمالهم في الثراء، وليس بيده عصا سحرية يلبي بها احتياجاتهم، لكن يكفي أنه يملك العقل الواعي، الذي هو مفتاح كل حضارات الدنيا.