الفن والحمام الزاجل

الفن والحمام الزاجل

الفن والحمام الزاجل

الجمعة 22/7/2005

 
تطرقت في الأسبوع الماضي إلى ظاهرة تفشّي الفقر في أفريقيا السوداء والذي أدّى تباعا إلى عودة الرق والعبودية في هذه الرقعة البائسة من العالم. وسأتحدّث اليوم عن تأثير الفن في فكر الشعوب، وفي معالجة القضايا الشائكة التي لا تخلو منها دول العالم الثالث.
 
قبيل انعقاد قمة زعماء الدول الصناعية الثماني الكبرى في العالم، قام المغني الايرلندي بوب غيلدوف، وهو من أشهر الفنانين الذين سخّروا فنهم لمكافحة الفقر والمطالبة بتحقيق العدالة وإنهاء العبودية والتمييز العنصري، إلى إقامة حفلات موسيقية في الهواء الطلق مع عدد من الفنانين العالميين، يعود ريعها للبلاد الفقيرة، وإرسال رسالة شفهية من خلالها إلى الدول الكبرى، بوجوب النظر بجدية لإخراج القارة السوداء من معاناتها المزمنة مع الفقر والمرض والعبودية. وقد التقاه الرئيس الفرنسي جاك شيراك مع نجم الروك يونو، وشكرهما على جهودهما، مؤكدا لهما أنهما بهذا العمل سيرفعان سطح الوعي بين الشباب.
 
لن أتحدث عن مشاركة الفنانين العرب في مثل هذا النوع من الأعمال الخيرية، للأسف معظمهم باستثناء قلة منهم لا يلتفتون لقضايا مجتمعهم، ولا يعيرون اهتماما لما يجري من حولهم، كأنهم يعيشون في جزر معزولة، مثلهم مثل أغلبية الشعوب العربية التي تغطُّ في نوم عميق، مستسلمة لقدرها الدامي.
 
أنا لا أريد وضع اللوم على الشعوب العربية، كونها شعوبا مطحونة، مغموسة في هم تأمين قوتها اليومي، وتدور في طاحونة رحى مطالبها الحياتية، حتّى غدت تتخبط في سيرها من ثقل معاناتها، مخمورة طوال الوقت من كأس الظلم وضياع العدالة داخل مجتمعاتها. لكن ماذا عن الفنانين العرب، الذين حققوا الثروة في وقت قصير، ويعيشون في ثراء فاحش! ما عذرهم في تقاعسهم عن مساعدة أبناء جلدتهم؟! يقولون إن من يكتوي بنار الحداد يحس بألمها، إذن لماذا لا يسعى الفنانون العرب بفنهم لإلقاء الضوء على قضايا مجتمعاتهم، خاصة وأن معظمهم أتى من بيئة متواضعة وعرف طعم الحرمان وتجرّع مرارة الأسى!.
 
هل ثقافة اللامبالاة، أضحت من خصائص الفرد العربي، غير مفرقة بين جاهل ومتعلم، وبين فرد عادي وفنان يحمل رسالة على ظهره؟! أم أن التجاهل تحوّل إلى صفة مكتسبة كنتيجة حتمية للواقع السياسي العقيم الذي تعيشه أمة العروبة، والذي انعكس تلقائيا على الواقع الاجتماعي والاقتصادي؟! أم أن المناخ العربي العام، يفرض على الفنان العربي غضّ النظر عمّا يمر أمامه من صور مشوهة؟!.
الفن رسالة سامية، من خلالها يمكن لفت الأنظار لمشاكلنا، بل وفي تحسين صورة الإنسان العربي والمسلم التي تشوهت في السنوات الأخيرة، حتّى غدت العروبة والإسلام في فكر المجتمعات الغربية منبعا لثقافة القتل والعنف.
 
هناك مسرحية تُعرض حاليا تحكي عن مدى معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل، والذي أدّى إلى عزل أفراد الأسرة الواحدة عن بعضها البعض، وكيف أصبح الفلسطينيون يعيشون داخل سجن كبير. وقد قال مخرج المسرحية بأنه ينوي أن يطوف بفرقته أرجاء العالم، ليحكي من خلالها مأساة قومه.
 
إنني أتصوّر أن هذه المسرحية ستضفي ظلالا إيجابية على المجتمعات الغربية، لأن لا شيء أقوى من الفن في بث إشارات احتجاج للعالم. تُرى كم من الرسائل نود إبلاغها للعالم ولا نجد حماما زاجلاً يُوصلها إلى المجتمعات الحرة كما كان يجري في العصور الماضية، كونه ولّى منذ أمد بعيد عهد الحمام الزاجل.