الخروج من عنق الزجاجة

الخروج من عنق الزجاجة

الخروج من عنق الزجاجة

الجمعة 12/8/2005

 
ليس عيباً أن نقتبس من الآخرين، ما دام هذا الاقتباس سيقودنا في نهاية الأمر إلى بر الأمان. كما لا يوجد قانون يمنعنا من تقليد خطوات الغير، ما دام هذا التقليد سيجعلنا قادرين أن نتغلّب على عجزنا المزمن. وليس حراماً أن نراقب سُبل الناجحين، ما دامت هذه السبل ستحدد خطواتنا المستقبلية، وتعزز مواقعنا القادمة. وليس في الأمر أي وجه غرابة، إذا حاولنا الخروج من عنق الزجاجة، وحطمنا غلافها العازل الذي نربض بداخله قرونا طويلة، مما أدى إلى إصابتنا بضيق في التنفّس، وإلى تعرّض مجتمعاتنا لهشاشة فكرية، وإعاقة حضارية!!.
 
لا أدري لماذا لا تتبنى الحكومات العربية، تنمية عقلية الفرد العربي؟! ولا أعرف متى سيحين الوقت لكي تهتم بنهضة مجتمعاتها!! هل يجب أن تحدث كارثة تأخذ الأخضر واليابس في طريقها لكي تستوعب الأخطار التي تحيق بمجتمعاتها!! لماذا تعطي الحكومات العربية ظهورها لتجارب التقدّم، التي طبقتها الدول المتحضرة لكي تنهض بمجتمعاتها؟! هل قدر محتوم أن تظل المجتمعات العربية محشورة داخل سياج من التبعية، وفرض الوصاية الجبرية عليها، تحسّبا من انتشار الوعي بين أفرادها، الذي يُفضي تلقائيا إلى بناء أرضية حضارية سليمة؟!.
 
من يُصدق بأن اليابانيين في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، نظروا بانبهار إلى النهضة الصناعية في مصر، وأرسلوا خبراءهم ليطّلعوا عليها ثم عادوا ليطبقوها فعليا في بلادهم، وها هي اليابان تصبح اليوم من أوائل الدول الصناعية في العالم، وبقيت مصر في مكانها إلى أن غرقت مع الدول العربية حتّى أذنيها في مستنقعات التخلّف!!.
 
إنني أنظر بإعجاب اليوم إلى تجربة ماليزيا، لقد أدرك مبكرا رئيس وزرائها السابق محاضر محمد، الذي أدار البلاد لأكثر من عقدين، بأن بلاده لن تتقدم اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا إلا بعقل وسواعد الإنسان الماليزي، وقد استطاعت حكومته بحرصها على هذا التوجه، إنقاذ نفسها من الكارثة الاقتصادية التي حصلت في العقد الماضي والتي أدت إلى انهيار الأسواق المالية بالدول التي كان يطلق عليها نمور آسيا.
 
اليوم ماليزيا لديها اقتصاد متماسك قوي، ولم تكتفِ بهذا، بل ها هي اليوم تفكر في بناء مصانع داخل السجون لتستفيد إنتاجيّا من طاقة المساجين، وحتّى يساهموا من سجنهم في دفع عجلة بلادهم إلى الأمام.

للأسف جل الحكومات العربية تتمسك بنظرياتها العقيمة القائمة على إبقاء الفرد العربي ككائن استهلاكي، وإلغاء أهميته في تشييد صروح بلاده مما يعني أننا ما زلنا ندور في ساقية التخلّف ونحو المزيد من الانحدار !!
 
لابد أن تسعى العقول المتعلمة والمفكرة في بلداننا العربية من خلال الجامعة العربية، إلى وضع خطة شمولية تقوم على أسس صحيحة، وبنود سليمة، للنهوض بالأفراد داخل المجتمعات العربية، حتّى يتمكن العالم العربي من الدخول إلى بوابة التحضّر بثقة ودراية كاملتين، فالقضية ليست في اقتناء أحدث ما نزل إلى الأسواق من تقنيات وأجهزة متطورة، وإنما في الأخذ بيد الشعوب لكي تنهض من كبوتها، وغرس دواخلها ببذور الابتكار، وتشجيعها على المنافسة الشريفة، وحثها على تحصيل ما فيه الخير لأوطانها.
 
صحيح أن الهوة سحيقة بيننا وبين الغرب، ونحتاج إلى مئات من السنين لكي نصل إلى ما وصلوا إليه من تقدّم، لكن لا بأس من السير بخطوات بطيئة، ففي النهاية لابد للسلحفاة أن تصل إلى نهاية السبق حتّى لو أعلنت صفّارة الحكم حصولها على المرتبة الأخيرة.