الجنسية والقدم الذهبية

الجنسية والقدم الذهبية

الجنسية والقدم الذهبية

الجمعة 2/9/2005

 
لفت انتباهي مؤخراً، الخبر الذي تناقلته الفضائيات العربية، حول تهافت بعض الدول الخليجية، على منح الجنسية لعدد من الرياضيين، الذين أحرزوا نجاحا كبيرا في ألعاب القوى العالمية.
 
لا أريد أن أتهم بأنني أعترض على هذا التوجه، الذي قامت بتطبيقه هذه الدول، كوننا منذ أمد ليس بالقصير أثبتنا للعالم أجمع، أننا أمة تعودت أن تفكر بأقدامها قبل أن تفكر بعقولها، والدليل على هذا التهافت الكبير على عالم الرياضة، الذي أصبح مظهرا اعتيادياً في مجتمعاتنا العربية.
 
أعترف بأنني لا أهتم بمتابعة أي نوع من أنواع الرياضة، ولا أذكر أنني انحزت لفريق رياضي على فريق آخر، ولا أتذكّر أنني جلست يوما أمام شاشة التلفاز، أجزُّ على نواجذي، لأتابع لعبة كروية، وكل ارتباطي بعالم الرياضة، ينحصر في مداومتي الأسبوعية، على إجراء بعض التمارين الرياضية في النادي الصحي، الذي أنا عضوة سنويّة فيه.
 
ما حفزني على كتابة هذا المقال، أنني لا شعوريّاً ربطت بين هذه الهبات المقدمة للاعبين، مكافأة لهم على إنجازاتهم الرياضية، وبين قصص آلاف الأمهات، المتزوجات من عرب وأجانب، الذين يُطالبون يوميا بمنح الجنسية لأبنائهم!!.
 
أعرف سيدة خليجية، طلقها زوجها وعاد إلى بلاده، ترك لها طفلا واحدا، ولد وترعرع في بلد أمه، لا يعرف له وطناً غيره، ما تزال الأم إلى هذا اليوم، تدور على مكاتب إدارة الجنسية، لكي يتمكن ولدها من نيل جنسيتها، كل يوم يطلبون منها ورقة جديدة، حتّى بدأ اليأس يتسرب إلى قلبها، خوفا من ألا يحصل ولدها على الجنسية.
 
أعرف أخرى، من كثرة ما حفيت قدما زوجها على دوائر الجنسية، أقسم بأنه لن يُعاود الكرة من جديد، بعد قائمة البنود التعجيزية، وفضّل أن يعيش أبناؤه بإقامة على كفالة أمهم.
 
الحقيقة أنني لا أعرف السبب، في حرمان مواطنة من أن يحصل أبناؤها على جنسيتها، في الوقت الذي تعطي الدولة للرجل الحق تلقائيا، في أن ينال أبناؤه من زوجته العربية أو الأجنبية تلقائيا جنسيته!! لا أدري متى ستتعامل الدول العربية مع المرأة، كمواطنة من الدرجة الأولى مثلها مثل الرجل! ويتم تطبيق المساواة بينهما في قانون الجنسية!.
 
في أوروبا وأميركا، يمنح الأبناء جنسية أمهاتهم دون أن “يدوخوا السبع دوخات” على الأقسام والدوائر الحكومية، ومن دون أن يتم تعجيزهم بمطالب لا أهمية لها! ليس هذا فحسب، بل إن الأم التي ُتطلّق من زوجها العربي، وتلجأ إلى سفارة بلدها، تقف بجانبها، وتُحارب معها بضراوة، لكي تحتفظ بأبنائها، وهناك الكثير من المشاكل، التي تمتلأ بها صحفنا العربية، عن آلاف من العرب الذين حرموا من رؤية أبنائهم، بسبب تحيّز قوانين الدول الغربية، لحق المرأة في الاحتفاظ بأبنائها، ومنحهم جنسيتها بسهولة وبدون أي معاناة!!.
 
إذا رغبت الدول الخليجية في تلميع صورتها أمام العالم، من خلال منح جنسيتها للأقدام اللامعة، فهذا شأنها، لكن المرأة من حقها أيضا أن ينال أطفالها جنسيتها، طالما أنها تتمتع بحق المواطنة أسوة بالرجل.
 
يكفي أن المرأة محرومة من الكثير من الامتيازات، المحتكرة على الرجل في مجتمعاتنا العربية، وربما يكون منح أطفالها تلقائيا جنسيتها، رد اعتبار لها، عمّا تجرعته في مجتمعاتنا، التي كتبت قوانينها أقلام ذكورية، في زمن أصبحت الرجولة رمزاً لمواقف مشرفة، وليست مجرد اعتبار لجنس!.