لا تبعْ أحلامك

لا تبعْ أحلامك

لا تبعْ أحلامك

الجمعة 23/9/2005

 
جميعنا نحلم، نحلم في نومنا، نحلم في غفونا، نحلم في يقظتنا ونحن نُطلق سهام أفكارنا صوب المستقبل، نحلم حتّى ونحن قابعون في السيارات، أو ونحن جالسون في الحافلات والقطارات. وبحكم ثقافتنا الدينية التي نشأنا عليها في مجتمعاتنا العربية، نؤمن بأن أحلامنا قد تجيئنا كرؤيا لما سيقع لنا مستقبلا، وهو ما يجعلنا نتوتر إذا صحونا من نومنا على حلم مزعج، وتكون الطامة الكبرى إذا لجأنا إلى أحد المفسرين، وجاء تفسير الحلم عكس ما توقعناه في أذهاننا.
 
أتذكّر أنني في زيارة لي، للقاهرة منذ سنوات، قمتُ بشراء مجلد كبير لابن سيرين، مختص في تفسير الأحلام، وفي مطار جدة، وأنا أمر عبر نقطة التفتيش، أمسك به الموظف أثناء غوص يديه في كومة ملابسي، قلّبه بعينيه، ثم أصرّ على مصادرته، بحجة أن محتواه، بدعة من عمل الشيطان، لكنني تشبثت به بقوة، حتّى رضخ على مضض لمطلبي في الاحتفاظ به.
 
أعترف أنني كنتُ ملتصقة بهذا الكتاب، كلما حلمتُ حلما، أهرع إليه، أقرأ تفسيراته، حول ماذا تعني رؤية الطير، أو أحد الألوان، أو الأشخاص المشهورين، ثم أغلقه، لأعاود فتحه عند رؤية حلم جديد. غدا التنقيب في الكتاب، عادة مستديمة عندي، كلما حلمتُ حلماً وقرأت معناه، أهيئ نفسي فرحة لاستقبال توقعاته، إذا كان يحمل في تفاصيله بشرى سارة، وأظلُّ متوترة، إذا كان يتضمن شراً. لاحظتُ أنني أصبحتُ أسيرة أحلامي، وهو ما دفعني إلى توبيخ نفسي لاحقاً، لومها على تصرفها، قائلة لنفسي.. ماذا تركتُ للجهلاء!! قررتُ حينها حشر الكتاب بين رفوف مكتبتي، وأن أنساه إلى الأبد، وأن أكتفي بالاستعاذة من الشيطان، عند كل كابوس يزورني في نومي، وآمل خيراً عند رؤيتي لحلم جميل.
 
علماء النفس، يرون أن كل حلم نراه، ليس معناه أنه سيظهر لاحقاً على أرض واقعنا، ويحللون الأحلام بأنها انعكاس لأحداث حياتنا اليومية، أو ما يدور في عقلنا الباطن، ليُعاود الظهور ونحن نغطُّ في النوم.
 
ليس محظورا علينا أن نفسّر أحلامنا، لكن الخطأ الفادح الذي يقع فيه المرء، حين يجعل حلمه، ورقة مرور لمستقبله، أو الأداة السحرية، التي يكتشف بها معادن الناس من حوله، لأن القدر في نهاية الأمر هو صفة إلهية، ممنوع على البشر العبث بها.
 
لقد اندهشتُ وأنا أقرأ عن رجل طلّق زوجته، لأن أحد المفسرين حذّره من سلوك زوجته السيئ. وآخر أخذ ينتظر الموت، تاركا عمله بعد أن أصيب بالإحباط، لأن تفسير حلمه، معناه أن أجله قد دنا.
 
لنحترم عقولنا يا قوم، فليس هناك أجمل من نعمة العقل، التي وهبها الله للإنسان، لكي يميزّ بين الصواب والخطأ، الواقع والخيال، وقديما قالوا في أمثالنا الشعبية.. إذا كان المتكلّم مجنوناً فليكن المستمع عاقلاً.
 
تُرى ماذا ستكون ردة فعل الجيل الجديد، وهو يرى القنوات الفضائية، تتسابق لاستضافة مفسري الأحلام، لتضمن الربح الوفير، من خلال استقطاب ملايين المتصلين المتشوقين لتفسير أحلامهم، على الهواء مباشرة؟! أو عندما يسمع عن آلاف الريالات، التي تدخل جيوب المفسرين من بيع تفسير أحلام الناس؟! ألا يدفعهم هذا إلى التعلّق بالخزعبلات، وسلك دروب الدراويش، ما دام بيع الوهم في قوارير شرعية، الطريق الأسهل والأضمن لجلب الثروة!!.
 
كفانا تعلّقا بالقشور، لأنها لن تفتح لنا كنوز سليمان، بل ستدفعنا إلى رمي أنفسنا تدريجيّا في هوة الهلاك.