لمن تعود صناعة الفرد؟

لمن تعود صناعة الفرد؟

لمن تعود صناعة الفرد؟

الجمعة7/10/2005

 
هل تهتم الأسر العربية بتنشئة عقول أطفالها؟! هل بالفعل تسعى إلى تنمية مداركهم، وإلى ترسيخ مفهوم الاستقلالية في أذهانهم؟! أم أن الأسر العربية تحذو حذو سلطات بلادها، في ممارسة السيطرة التامة على أبنائها، ومطالبتهم بالتزام الهدوء طوال الوقت، وعدم إعطائهم الفرصة، للتعبير عن تطلعاتهم، أو التنفيس عن رغباتهم، من منطلق أن التربية الصارمة، والقبضة الحديدية على سلوكهم، ستؤديان إلى بناء شخصيات قوية في أعماقهم، حين يشبون عن الطوق، ويندمجون في الحياة العامة؟!
 
حاصرتني هذه التساؤلات، وأنا أتجوّل في مركز كبير يحمل عنوان (wannado city) بمدينة صغيرة، بالقرب من ميامي بولاية فلوريدا، وهو مركز ترفيهي، مخصص للأطفال، يبدأ من سن الثالثة فما فوق، ويحتوي بداخله على الكثير من المهن، التي يحلم الطفل باختيارها حين يكبر، أو لديه فضول لتجربتها، كرغبته في أن يكون رئيس جمهورية، أو لاعب كرة، أو فناناً، أو حتّى رائد فضاء· ولكي يجرّب العالم الذي اختاره، يتم عمل مجسمات تشابه الواقع، مثل ساحة ملعب، أو مدرّج طائرة، أو لبس ملابس رجال الفضاء· وحتّى يحس الطفل بروح المسؤولية، يتم فتح حساب وهمي له، وعلى أساسه تُقدّم له بطاقة صرّاف، ليسحب بها نقوداً خاصة، يمكن أن يصرفها في أرجاء المركز·
 
جميل أن تأخذ الأسر بيد أطفالها، ترعى تطلعاتهم، تريهم الشطآن الأخرى من الدنيا، تشجعهم على خوض جوانب مختلفة، وتحثهم على تذوّق تجارب جديدة، حتّى لو كانت من وجهة نظر الآباء،أحلاماً سخيفة، ليست لها سيقان ضخمة، تقف بها على أرض الحياة، لكن احترام رغبات طفل المستقبل، هو الطريق السليم لبناء مجتمعات متحضرة، قادرة على الإمساك بزمام الغد، وعلى إدارة دفة التقدّم في أوطانها· كما أن تشجيع الطفل على خوض التجارب على أنواعها، سيساهم في بناء شخصيته، وسيساعده على التمسك بخياراته، عندما يدخل معترك الحياة، من خلال الاستقلالية التي غرسها أهله في أعماقه·
 
كنتُ أتمنى لو كان لهذا المركز، مثيل في عالمنا العربي، لكن إلى اليوم لا توجد لدينا مراكز لصناعة النجوم، سواء في المجال الثقافي كالأدب والشعر وغيره، أو في مجال التكنولوجيا العلمية على اختلاف تخصصاتها· حتّى الإعلام المرئي، غدا يتهافت على صناعة نجوم الفن، لأنهم الأضمن للكسب السريع، وغدت الأجيال الجديدة تحمل ثقافة هشة، لا شأن لها بكل المجريات التي تحدث من حولها، بمعنى أصح غدت البراعم العربية مفلسة، لا تتبنّى قضايا معينة، أو تتمسك بثقافتها، أو تُشيّد أحلامها بجديّة، كلها للأسف صارت تحمل في ذهنها، أوهاماً تطير على بساط الريح، مع حكايات سندباد البحري، ومعجزات هاري بوتر!!.
 
هناك في الغرب، يصنعون أبطالهم، يهيئون النشء الجديد لحمل شعلة الغد، ويصرفون ببذخ على من يتوسمون فيه بذرة العبقرية والإبداع، ونحن نقف ونتفرج على ما يصدرونه لنا·
 
من غير الممكن أن تتقدّم أوطاننا، وتزدهر بلداننا العربية، ومؤسساتنا التربوية والاجتماعية، لا تنشئ مراكز لتأهيل البراعم القادمة·
 
إن تشجيع الأطفال على اختيار ما يريدونه، وتحميلهم مسؤولية قراراتهم، سيخلق على المدى البعيد، أجيالاً تدرك خطواتها، أجيالاً قادرة على أن تسير على الدرب الصحيح، أجيالاً واعية لتوجهاتها، عارفة ببواطن الأمور، التي تُحلّق فوق رأسها، أجيالاً قادرة على أن تقول لا، لكل عناصر التعرية الفكرية التي تريد أن تلوكها بأضراسها، أو في استخدامها كوسائل لتحقيق مآرب تخريبية·