بيروت.. العروس الحزينة

بيروت.. العروس الحزينة

بيروت.. العروس الحزينة

الجمعة 15/4/2005

 
سافرت الأسبوع الماضي إلى بيروت، مكثت فيها عدة أيام، بحثت في كل مكان عن بيروت، فلم أجدها، كل ما فيها متشح بالسواد، الحزن غلّف الوجوه، الصمت مطبق، الأجواء متوترة. حتّـى مقاهي بيروت، التي كانت تضج بالحركة، صارت تقفل أبوابها مبكرا، والناس آثروا المكوث في بيوتهم، خوفا من أن يصبحوا ضحية لقنابل، تم زرعها في الخفاء.
 
وأنا على متن الطائرة، قالت لي المسافرة، القابعة بجواري، بنبرة متأسية.. لا أعرف كيف ستطأ قدماي أرض بيروت، والحريري ليس فيها. وقالت لي واحدة من صديقاتي اللبنانيات، عندما أخذنا الحديث حول أوضاع لبنان، بعد الأحداث الأخيرة.. لا تقلقي على شعب لبنان، نحن شعب متشبث بالحياة، وقد مررنا بكثير من الأوجاع، وتجرعنا كؤوساً من المآسي، مع ذلك لم يهد هذا من إرادتنا، ولم يضعف من حماسنا، بل علمنا ألا نهاب شيئا، وغدونا قادرين على مقاومة كل أشكال التخريب، التي تحاول النيل من وطننا، وتدمير اقتصاده. لا تنصتي لما يتردد، بأن هذا البلد معرّض لحرب أهلية جديدة، أتعرفين لماذا!! لأن ذكرى الحرب ما زالت عالقة في أذهاننا، ولهيب نيرانها آثاره باقية على جلودنا. سأعطيك مثالا حيّا.. عندما يُصاب الجسم بفيروس قاتل، ثم ينجو منه، ألا يكسبه مع مرور الوقت مناعة ضده، ويدفعه لأن يكون أشد حرصا، حتّى لا يقع في بؤرة الهلاك من جديد!!.
 
الملفت أن جميع من التقيت بهم، سواء على مستوى رجل الشارع، أو المثقف، أو ربة البيت، كانوا متفائلين بالغد، وأن ما يحدث في هذه الفترة الحرجة، ما هو إلا غُـمة طارئة سرعان ما ستنقشع. والملفت كذلك أنهم كانوا متفقين، على الامتنان لما قامت به سوريا إبان الحرب الأهلية اللبنانية، ومجمعين على وجوب خروج القوات السورية من لبنان، مع الاحتفاظ بعلاقة طيبة مع سوريا وشعبها.

بيروت التي وطأتها قدماي قبل أشهر من مقتل الحريري، كانت حينها شعلة من الضوء، ترفل في حلة من الازدهار السياحي، غير بيروت التي زرتها مؤخرا، حيث أصابها ركود اقتصادي وشلل سياحي. كم هي غريبة الهموم، تحوّل الوجوه النضرة إلى وجوه كالحة، لا أثر للحياة فيها. مع كل هذه المظاهر الكئيبة، إلا أنني واثقة بأن الشعب اللبناني قادر على القفز فوق محنته، وترميم الصدع الذي أصاب جدران بيته.
 
إنّي أضع دوما ثقتي في الشعوب، كونها وحدها القادرة على إخراج رؤوس أوطانها من أعناق الزجاجات القاتلة، وهي بمفردها التي تستطيع إخماد حمم البراكين، المندلعة من فوهاته، والدليل ما جرى هذا الأسبوع، في النداء الذي وجهته، الهيئة الوطنية للنهوض والصداقة، تحت شعار لبنان للجميع وطن للحياة، والذي بدأ بسباق الماراثون، بمناسبة 13 إبريل، الذكرى الثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. والتي تضمنتها دعوة مبطنة للمصطافين، أن يتضامنوا مع لبنان.
 
العذابات، هي التي تشحذ العزائم، وتُطيل الهامات، وفقدان قامة مثل قامة الحريري، صعب على النسيان، فمن النادر أن نرى زعيما، في زمننا الانكساري، يملك كل هذا الحب لوطنه، لكن ما أكثر العمالقة في تاريخنا العربي، الذين دفعوا حياتهم ثمنا لمواقفهم النبيلة.
 
إن المراحل الحرجة في تاريخ الشعوب، مساحاتها شاسعة، لكن يظل الرهان قائما، على إرادة الإنسان، وصلابة مواقفه، فهو بيده يبني، وباليد الأخرى يهدم، المهم أن يعرف متى يضع المعول، وأين يدق الفأس!!.