العنف يمر من هنا

العنف يمر من هنا

العنف يمر من هنا

الجمعة 21/10/2005

 
لاحظتُ في الآونة الأخيرة في بعض مواقع الإنترنت، مقالات منشورة لعدد من الكاتبات السعوديات، يُعلّقن فيها على الجدل الدائر حول حقوق المرأة في السعودية، وإجماعهن جميعا على أن المرأة هناك، تتمتع بحقوق لم تحظَ بها المرأة في الغرب، وأن الإسلام كرّمها، بأن أعطاها الحق في الاحتفاظ باسم عائلتها بعد الزواج، واستقلالية ذمتها المالية· وتطرَّقن إلى أمور أخرى ثانوية، لا تُسمن ولا تُغني من جوع، كالتفاخر بالسماح لها بتجاوز طوابير الرجال في المكاتب والأماكن العامة، وأنها تعيش معززة مكرمة في بيتها، حجج كلها فض مجالس كما يُقال!!.
 
صحيح هناك عنف أسري، واعتداءات جسدية، تتعرّض لها المرأة في الغرب، أشد مما يقع على المرأة في عالمنا العربي، لكن كما ذكرتُ سابقا، أن الفرق بيننا وبين نظيراتنا الغربيات، أن هناك منظمات ومؤسسات أهلية تحمي حقوقهن، وتُدافع عن مطالبهن، بجانب أنهنَّ تعلَّمن كيف يرفعن أصواتهن عند وقوع ظلم عليهن، وناضلن طويلا حتّى نجحن في تبوئ مناصب عليا في بلادهن، لم تزل محتكرة على الرجل في عالمنا العربي· في الوقت الذي بقيت المرأة العربية تنأى عن المناداة بحقوقها، من منطلق أنه أمر يخضع تحت بند العيب، ويدخل في دائرة المحرمات الاجتماعية، القائمة على موروثات تاريخية مغلوطة· إضافة إلى أن هناك تكتّماً إعلامياً متعمّداً، وتجاهلاً لأوضاع المرأة في مجتمعاتنا العربية، على أساس أنه شأن خاص، لا يجب الاقتراب من دائرته!!.
 
يجب أن تتعامل مجتمعاتنا بشفافية مع قضايا المرأة العربية، وتعترف بأن هناك عنفاً أسرياً يُمارس عليها، وتكون هذه نقطة البداية لإصلاح أوضاعها· فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أنه في بلداً كالأردن، ما زالت هناك نساء كثيرات يفقدن حياتهن، باسم الدفاع عن الشرف· وفي اليمن، أكدت دراسات حديثة، أن ارتفاع نسبة الفقر هناك، ساهمت في تفاقم حالات العنف ضد المرأة· أما إذا نظرنا إلى معظم الدول الخليجية، فسنجد أن العنف ضد المرأة في تصاعد، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع نسب البطالة، حتّى لم يعد مستغرباً أن نجد عاطلا بداخل كل بيت خليجي .
 
لقد أعجبني النداء الذي وجهته النجمة اللبنانية الأصل سلمى حايك، إلى أعضاء مجلس الشورى الأميركي، ومطالبتهم بتعزيز القانون الخاص بالعنف المنزلي ضد المرأة، وإضافة بنود أخرى عليه، تؤدي إلى تقليص انتشار العنف، في الوقت الذي نجد فناناتنا العربيات، غارقات في مسلسلات الحب واللوعة، وأفلام الآكشن، والكوميديا الرخيصة، بعيدات عن تجسيد هموم المرأة العربية·
 
العنف يمر من فوق جسر الفقر، هذا ما أكده التقرير الأخير للأمم المتحدة، بأن العالم لن يتمكن من القضاء على ظاهرة الفقر، إلا إذا تحسنت فرص النساء الاقتصادية والاجتماعية، وإذا لم تُطبّـق هذه التوصيات، فلن ينتهي العنف الواقع على المرأة، وسيظل الرجل يُمارس سطوته على هذا المخلوق، الذي يُعتبر في نظر مجتمعاتنا العربية، مخلوقاً من الدرجة الثانية·
 
نعم، كرّم الإسلام المرأة، لكن هذا التكريم لحقه التشويه على مدار التاريخ، وذاب مع كتلة الأعراف والتقاليد الذكوريّة، وهو ما يستوجب أن تتعلم المرأة كيف تُدافع عن حقوقها بشراسة فعلا لا قولا، ألا تكتفي بالنحيب بصوت مكتوم خلف الأبواب المغلقة، بل بالخروج إلى الشارع، والمجاهرة بأوجاعها· أن تُنشئ مؤسسات ترعى شؤونها، وتُطالب بسن قوانين وضعية صارمة، يتم تطبيقها على كل من يعبث بكرامتها، ويدوس على آدميتها·