لنقسْ حرارة حريتنا

لنقسْ حرارة حريتنا

لنقسْ حرارة حريتنا

الجمعة 2/12/2005

 
في أعماق كل إنسان منا شعلة صغيرة تُدعى الحرية، من خلالها نُضيء منعطفات حياتنا، ومن خلالها نشقُّ طريقنا، ومن خلالها أيضا نزعق ونصرخ بجسارة في وجوه الظلم والاستبداد، التي تهدر آدميتنا وتدوس على كرامتنا· هذه الشعلة يتفاوت مقدار إضاءتها بين رقعة وأخرى، وبين بلد وبلد آخر، لكن بالتأكيد مهما اختلفت مساحة إضاءتها تظل مطلبا ملحا لكافة البشر، بفقدانها تتبعثر الكرامة، وبزوالها يتحوّل البشر إلى مواشٍ خانعة، همّها أكل العلف المكوَّم في حظائر الحياة·
 
القنوات الإعلامية من صحافة وتلفاز وإذاعة، تُعتبر من أهم منابر حرية الرأي، بفضلها يمكن تمرير قضية تمّ تعتيمها طويلاً عن الناس، وبفضلها أيضاً يمكن تحديد التوجهات، وإعلان الأمور المتوارية، وهو ما جعل الدول المتحضرة تنحني احتراماً لسلطة إعلامها، وتعمل حساباً لخطواتها، لأنها تعمل باستقلالية، وتقوم بدورها دون تكليف منها، وتُظهر الحقائق دون أن ترمش عيونها، خوفاً من أن تتعرض لبطش حاكم أو غدر مسؤول، كونها تحمي ظهرها محاكمها المستقلة هي الأخرى، وهو ما أدى إلى خلق ثقة متبادلة بين رجل الشارع وإعلامه·
 
هذا الواقع للأسف لا نلمسه في إعلامنا العربي إلا في مساحات ضيقة، كون الإعلام العربي في مجمله مقننا، فقد اكتشفت الحكومات العربية مبكراً تأثير الإعلام السحري على الرأي العام، مما دفعها إلى تسييسه بحجة المحافظة على سلامة مجتمعاتها من البلبلة، ووضعت سقفاً غير مسموح للقنوات الإعلامية تجاوزه·
 
الواقعة التي أثارتها صحيفة ”الديلي ميرور” البريطانية مؤخراً، حول المذكرة التي تحوي خبراً حول حديث الرئيس الأميركي جورج بوش عن قصف مقر قناة ”الجزيرة” بالدوحة، بعد بثها هجوم القوات الأميركية على الفلوجه، وثني رئيس الوزراء توني بلير له عن هذه الفكرة، وما يتداول حولها، والتشكيك في صحة الرواية، يجعلنا نتساءل:
 
هل تدخُّل النائب العام البريطاني لمنع الجريدة من نشر مضمون المذكرة، يدخل بالفعل تحت بند كتم معلومات تفيد العدو، أم أنه يهدف ضمنا إلى حماية الحكومة من الانتقادات التي قد توجه لها، وتحرجها أمام شعبها؟! وهل الإعلام الغربي في مجمله بات يضيق بحرية الكلمة التي تصدر من بلادنا، في الوقت الذي يفتح صدره لكل نقد مهما كان لاذعاً في بلاده؟! أم أن الإعلام الغربي قد تقلّصت مساحة حرية التعبير فيه، نتيجة هوس المحافظة على الأمن القومي؟!.
 
مهما أبدينا امتعاضنا من الأخطاء التي كانت ستقع، ومن التجاوزات التي ستجري مستقبلاً، ألا يُعتبر وضع إعلامنا العربي في نفس كفة ميزان الإعلام الغربي ظلماً له؟! ألا تُـعتبر إقامة مقارنة بين ما يجري بأروقتنا الإعلامية العربية، وبين ما يحدث من زلات لديهم، تجنّـياً كبيراً على إعلامهم الحر إلى حد كبير؟!.
 
رئيس ”اللجنة العربية لحقوق الإنسان” الدكتور هيثم منّاع، أكّد بأن حملة الدفاع عن الصحافي تيسير علوني، وعن غيره من المساجين بمعتقل ”جوانتانامو”، جميع لوائحها باللغات الأوروبية، ليس للغة العربية مكان بينها·
 
هل هذا يعني أننا ما زلنا فاقدي الثقة بمحاكمنا وبمؤسساتنا المدافعة عن مظلومينا في السجون؟! أم أن هذا نابع من إحساسنا العميق بأن أصواتنا لم تزل حبالها ضعيفة، لا يمكنها أن تصل لأقاصي الأرض؟! لماذا لا نواجه واقعنا، ونعترف صراحة بأن أبوابنا مخلوعة على الرغم من كثرة نجّـارينا، كما يقولون في أمثالنا الشعبية، وأننا من يقوم بخلعها بحجة إعادة تثبيتها من جديد!.