المرأة والإعلام وفتاوى الأئمة

المرأة والإعلام وفتاوى الأئمة

المرأة والإعلام وفتاوى الأئمة

الجمعة 2/12/2005

 
لا أصدّق ونحن في الألفية الثالثة، والعالم من حولنا منهمك في تسابق محموم لتحقيق المزيد من الإنجازات العلمية، والتدافع لشراء أراض على القمر، وحلم الوصول إلى المريخ، أن العالم العربي في غمرة كل هذا، لا يكترث بما يجري من حوله، كونه ما زال يعيش متعثرا في مشاكله، يتخبّط في لجج قضاياه الشائكة، حتّى لم يعد يجد وقتا لحك رأسه المليء بالآفات·
 
لا أستطيع أن أستوعب أن بعالمنا العربي، سبعين مليون طفل أمي عربي، في مجتمعات يُشكّل الشباب ستين في المئة منها!! كيف يمكنني أن أتفاءل وأنا أرى الأجيال الصاعدة، المفروض تهيئتها لحمل ألوية الغد، تقف على قارعة الطريق، بعيون زائغة، وأقدام حافية، ترتسم على أكفها خطوط مبهمة، تنبئ لها بمستقبل متعثّر، وغد قاتم الرؤية، في ظل بطالة مستفحلة؟! كيف يمكنني أن أضحك مستبشرة، وحكوماتنا العربية لم تضع إلى الآن خطة شمولية واعية، للخروج من هذا النفق المظلم، ولا تنظر بجدية للقنبلة الموقوتة المتمثلة في النشء القادم، الذي لابد أن تحين ساعة ينفد فيها صبره، مطالبا بحقه في حياة كريمة، وبتوفير ضمانات حقيقية له!!.
 
لننظر حولنا، فعلى الرغم من كل السلبيات التي نلمسها مع كل إشراقة شمس بفضاءات مجتمعاتنا العربية، نجد أنها ما زالت تدور في ساقية التردي· وزاد الطين بلة، قيام بعض المجتمعات بوضع سلة البيض الفاسدة بأكملها في حجر المرأة، من خلال الأصوات المتحجرة التي تلح على عودة المرأة إلى البيت، بحجة أن خروجها لتحقيق ذاتها، كان على حساب أسرتها، وهو ما أدى إلى التفكك الأسري، وإلى انفراط سبحة الأخلاق· إضافة إلى تورّط القنوات الفضائية العربية في هذه العملية الهزلية، من خلال ما تعرضه من برامج فكرية واجتماعية، فبدلا من أن يُساهم الإعلام العربي في معالجة المشاكل، والتصدّي لها، صمَّ أذنيه، وفتح أبوابه عن آخرها لرجال الدين، ليفتوا في كل شيء، حتّى أصبحت كافة قضايانا مفتاح الحل والربط فيها بيد هؤلاء .
 
أطلعتُ على تعليق ساخر في أحد المواقع، حول قيام شيخ يمني باكتشاف علاج لمرض الإيدز، الذي أعجز أطباء العالم، أن موضة الإفتاء في الطب آخر صرعة صار الشيوخ يتناولونها مؤخرا· وقرأت فتوى لأحد أئمة المساجد في السعودية، حول مشاركة النساء في انتخابات الغرفة التجارية، تؤكد على وجوب ألا يكون مرشح الغرفة التجارية، من الذين يجيزون دخول المرأة فيها· ولا ننسى الفتوى التي بتنا نصبح ونمسي عليها، حتّى صدّعت رؤوسنا، في الترهيب من السماح للمرأة بقيادة السيارة، وما سيجلبه هذا الأمر من هلاك للقيم الإسلامية .
 
إذا ظلت الحكومات العربية تُعالج الأمور المستعصية بهذه السطحية، ولا تضع حلولا جذرية لها، فستكون النتائج وخيمة· وإذا ظل إعلامنا يفتح ذراعيه على مصراعيها، لكل من هب ودب ليفتي في شتّى أمور حياتنا اليومية، حتّى ولو كانت بعيدة كل البعد عن الجوانب الدينية، فلنقل على مجتمعاتنا السلام .
 
يجب أن يقف مسؤولونا وعلماؤنا ومفكرونا على اختلاف توجهاتهم وقفة قوية، أمام هذه الموجة الكاسحة، ويؤسسوا منهجا علميا وتربويا جديدا، يخرجون به مجتمعاتنا من هذا الدرك السفلي، ويحفظون بواسطته أجيالنا القادمة من الانحدار نحو هاوية التطرّف، وإلا فإن النار ستندلع من المحيط إلى الخليج، آخذة في طريقها الأخضر واليابس، دون أن يملك أحد القدرة على الوقــوف في وجههــا!!.