الحقوق بين العدل والتحيّز

الحقوق بين العدل والتحيّز

الحقوق بين العدل والتحيّز

الجمعة 23/12/2005

 
المساواة حلم كامن داخل كل نفس بشرية، وضيعة كانت أم رفيعة· والمجتمعات السوية ترفض الظلم، والإنسانية على امتداد التاريخ تحفل بقصص وحكايات تحكي عن معاناة البشر لتحقيق العدالة على الأرض، وهو ما أدى إلى نشوء منظمات تدافع عن المظلومين، وتُساهم في نشر السلام والعدل بين الناس·
 
في الآونة الأخيرة، اعتمدت الأمم المتحدة يوم السابع والعشرين من ديسمبر من كل عام، يوما عالمياً لذكرى محرقة اليهود· لماذا خصّت ضحايا المحرقة دون غيرهم من الشعوب المنكوبة؟! أليس في قرارها هذا تحيزاً لهم؟! ماذا عن آلامنا وأوجاعنا التي تجرعناها على مدار الأزمنة؟! ماذا عن ضحايانا الذين يقتلون يومياً في العراق، في مسلسل درامي وحشي على أيدي القوات الأميركية، باسم الديمقراطية وإرساء معالم الحرية؟! لماذا تغضُّ الطرف عمّا يجري ضد الشعب الفلسطيني من دمار وقتل وتشريد على يد الإسرائيليين، مما يعني وقوع ”هولوكوست” جديد، لكن بيد من ذاقوا الأمرَّين بالأمس على يد الأوروبيين؟! لماذا نحن دون غيرنا من شعوب الأرض دوما مستهدفون؟! هل قدرنا أن نعيش مكبلين بمصائبنا؟! لماذا يستخفُّ العالم بمجازرنا؟! لماذا لا يرف جفن المجتمع الدولي على ضحايانا، كما يفعل مع ضحاياه؟! لماذا لا يُقيم الآخرون الدنيا ولا يقعدونها على أرواح الآلاف من شهدائنا، الذين يقعون في معارك ليسوا طرفا فيها؟!.
 
لنكن واقعيين ونقول بملء أفواهنا، إن بعض الحكومات العربية بتعسفها ضد مواطنيها، هي التي أدت إلى هذه النتيجة· لنكن صريحين ونعترف بأنها هي من قضى على حقوق الإنسان في مهدها، داخل أراضيها· ألم تجعل التغنّي بكلمة حقوق، مرادفة للاعتقالات والتعذيب والقتل! أليست هي من جعلت آدمية الفرد العربي في أدنى مرتبة، مقابل الحفاظ على حساباتها الخاصة!.
 
نعم، لنحقن أنفسنا بسائل الشجاعة، ونعترف بأن الإنسان العربي غدا يعيش وسط رمال متحركة داخل أوطانه، كلما حاول أن يُخلّص نفسه ليعيش، سحبته إلى الأسفل بلا رحمة أو شفقة، إلى أن فقد قدرة البقاء على قيد الحياة!.
 
أعجبني تعليق للدكتور هيثم منّاع، رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان، بوجوب بناء حضارة ثقافية موازية لحضارة الغرب، لا تقوم على ردود أفعال، وبالحاجة إلى تدريس مادة حقوق الإنسان في مناهجنا التعليمية العربية·
 
جميعنا يعلم في دواخله، أن قيمة الإنسان في عالمنا العربي، لا يمكن أن تعلو بالكلام العشوائي وإنما بالفعل الصادق، بغرس نبتتها في تربة مجتمعاتنا وإن طرحت ثمارها بعد سنوات طويلة· جميعنا يُدرك أن أثمان الإنسان العربي لن ترتفع، إلا إذا بنت الحكومات العربية مؤسسات مدنية حقيقية في أوطانها، تقوم على تحقيق العدالة الاجتماعية بين كافة الأفراد بلا تمييز، وعلى احترام الرأي والرأي المخالف، دون أن يتعرض أصحابها للأذى أو للطمس من على وجه الأرض!.
 
يُقال في الحِكم الصينية إذا أردتَ أن تزرع لسنة فازرع قمحا· وإذا أردتَ أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة· وإذا أردتَ أن تزرع لمئة سنة فازرع إنساناً”·
 
تُرى ألا نملك سواعد فتية لزرع إنسان حقيقي في تربتنا؟! أم أننا نلعب في الوقت الضائع، حيثُ غدونا نتخبط في يم تتقاذفنا أمواجه من كافة الاتجاهات دون رحمة، لتنبهنا إلى أن الأوان قد انصرم لتعلّم قواعد السباحة!.