عندما يُُـغتال التاريخ

عندما يُُـغتال التاريخ

عندما يُُـغتال التاريخ

الجمعة 22/4/2005

 
قامت اليابان مؤخرا، باعتماد تدريس ثمانية كتب مدرسية لمادة التاريخ، تهوّن من شأن الفظائع التي ارتكبها الجيش الياباني في الصين، إبان الحرب العالمية الثانية، حيث صوّرت أكبر مجازرها، التي أودت بحياة 300 ألف صيني، على أنها مجرد حدث، مما أثار حفيظة الصينيين، وخرجوا إلى الشوارع، يهتفون في مسيرات حاشدة ضد اليابان.
 
اليابانيون نكأوا جراح الماضي، حين غيّروا الوقائع في مناهجهم، ومن حق الصينيين أن يدافعوا عن تاريخهم، ويُطالبوا بحفظه من التشويه، من أجل أجيالهم القادمة، فمن لا ماضي له، لا حاضر له، ومن لا حاضر له، لا مستقبل له، والشعوب تأخذ العبر من قصص أجدادها، وتتوخى الحذر من وقائع ماضيها.
 
إن ما يجري من محاولات هنا وهناك، بحجة الالتحاق بقطار التحضّـر، والتعلّق بعبارة عفا الله عمّا سلف، ما هو في حقيقته، إلا عملية تدمير مقصودة لذاكرة الأوطان. وتزوير التاريخ يُعد جريمة كبرى لا تُغتفر، من الواجب أن تُسن لها قوانين رادعة في المحاكم الدولية، ومعاقبة كل من تسوّل له نفسه، تشويه مشاهد التاريخ لمصلحته، أو توجيه دفتها لخدمة أهدافه، حتّى يتم حماية عقول الأجيال الجديدة من الوقوع في بؤرة التخبّط، وحتّى لا تجد نفسها وحيدة، تبحث عن الحقيقة التائهة، لكي تعي ما يجري من حولها!.
 
ما حدث في الصين، جعلني أفكر فيما يجري داخل بلداننا العربية، ومطالبة أميركا للعرب، بوجوب طمس كل ما يمس سلبا بإسرائيل، وتلقين الأجيال العربية الجديدة، التسليم بوجودها، وشطب وطن كان يُسمى فلسطين من مناهجنا، وأن فلسطين ما هي إلا قصة من قصص ألف ليلة وليلة، صنعها أحد العباقرة لتخدير عقول العرب، وبلبلة أفكارهم.
 
ذكرت باحثة عربية، أنها بعد البحث المتواصل، وجدت أن هناك ستة عشر كتابا، مقرراً للتلاميذ في إسرائيل،يبدأ تدريسها من المرحلة الابتدائية، كلها تدور في ترسيخ الأيديولوجية العنصرية، بتهيئة الأجيال الإسرائيلية نفسيا على كره العرب، وتشويه صورتهم، بأنهم أنذال، بدو متخلفون، قطّاع طرق، قتلة.
 
الغريب أن الكثير من مثقفينا بلعوا الطعم، وغدوا مؤمنين بأننا أمة يجب تأديبها، وغربلة أفكارها، حتّى لو أدى الأمر إلى طمس حقائق تاريخها، بل ويُطالبون بوجوب الانصياع لمطالب أميركا، حتّى يعيش الجميع في سلام. ولا أدري كيف يمكن أن يعمَّ منطقتنا السلام، وإسرائيل المستحوذة على الأرض، لا تقوم بالمثل، في نشر روح التسامح، بل وتظل متمسكة بتعزيز البغضاء، وزرع الضغينة في نفوس أجيالها المتعاقبة!.
 
أدري أن في طيّات مناهجنا التعليمية ما يستوجب غربلتها، وحتمية مراجعة بعض جزئياتها، التي ساهمت في تسميم العقول، وأن أصابع الاتهام تشير نحونا، عند وقوع أي مصيبة في العالم، مما اضطر المجتمعات العربية، إلى إسدال أشرعة نوافذها خجلا، وأصبحت منهمكة بتبرئة نفسها في الساحات الدولية، بعد أن تفاقمت أخطاؤها. لكن تورّط فئة من شبابنا في إثم العنف، لا يعني أن نُطأطئ رؤوسنا، ونقوم بفتح سجلات تاريخنا على آخرها، ليعبث فيها العابثون، ونتركها مطية سهلة للعابرين، لأن طمس هوية الشعوب، يبدأ من تشويه تاريخها، وتحوير مغزاه، وإفراغه من قيمته الحقيقية، وقتها سيستعصي على الأجيال المتوالية، فهم حاضرها، وترتيب مستقبلها، وقد تبتلع الطعم المقّدم إليها، حتّى يملأها الشعور بالوضعية، وبالدونية، ويتسرب إليها في نهاية المطاف، إحساس متفاقم بالذنب، بأنها كانت على طول الخط، السارقة وليست المسروقة!.