الهروب إلى عالم الوهم

الهروب إلى عالم الوهم

الهروب إلى عالم الوهم

الجمعة 13/5/2005

 
الحياة العصرية شديدة التعقيد، الكل غدا يدور في ساقية الحياة وهو يئن من أوجاعه، لا أحد خالٍ من ضربة ألم، أو فجيعة بحبيب، أو انتكاسة في حلم. كل يحمل همومه على ظهره ويجوب بها بلاد الله الواسعة، وهو يطل بعينين زائغتين حوله، باحثاً عن مأوى يحميه من ضربات الأيام، أو منفذ من الضوء يلج إليه، ليتحرر من ثقل حمولته، حتّـى لو كان الثمن الجري خلف فقاقيع من الهواء!.
 
تُـرى هل تجرّع الهموم على التوالي، يدفع المرء اليائس إلى رمي نفسه في أحضان العرافين والدجالين؟! هل تطلّع الإنسان إلى تحقيق أحلامه، يجعله يُـقدم على شراء قوارير من الأوهام لا تسمن ولا تغني عن جوع؟! هذه التساؤلات فرضت نفسها في فكري، وأنا أقرأ عن إحصائية تم نشرها مؤخرا، بأن العرب ينفقون سنوياً على السحر وحده، حوالي خمسة مليارات دولار، وأن هناك دجالا لكل ألف عربي.
 
برر البعض هذه النتائج، على أنها دليل على غياب المؤسسات الدينية في القيام بدور إيجابي لمواجهة هذه الظاهرة المتفشية في مجتمعاتنا العربية. أنا لا أنفي أهمية هذه المؤسسات في توعية المواطن العربي، وتحذيره من التعامل مع الدجالين الذين يقومون باستغلاله أسوأ استغلال، لكنني أيضا لا أستطيع أن أغضَّ الطرف عمّا يجري من سلبيات داخل الأروقة العربية، وارتفاع نغمة الازدواجية في بنية مجتمعاتنا، مما رفع من حالة الإحباط واليأس داخل أعماق الفرد العربي، ودفعه إلى رمي نفسه في أحضان الزيف!.
 
عندما يُـشاهد المرء بأم عينيه أن مجتمعه لا يقوم على الكفاءة والقدرة العلمية، وإنما يُـراعي الواسطة والمحسوبية، لحظتها لا يجد حرجاً من طرق الأبواب الخلفية. وعندما يرى أن أحلامه وآماله مكانك سر، في الوقت الذي تأكل الأيام عمره، لا يجد مفراً من تعقّب أشباح الوهم، حتّى لو كانت ملامحها غير واضحة المعالم.
 
المهم أن يشعر المرء بأن هناك نسمة رطبة تهفو على وجهه وتنعش روحه التي وأدتها انتكاسات الحياة. الإنسان المحبط، مثل الشخص الضائع في الصحراء، يتخيّل أسراب الوهم على أنها أنهار متدفقة، فيندفع صوبها، وكلما ابتعدت حاول الاقتراب منها أكثر، حتّـى ينهكه التعب، ويهده الإعياء. عندما يُلاحق المرء بنظراته الزائغة، الصور الشاذة الغارسة أظافرها في جسد وطنه، فيلفى الفساد بأنواعه يأكل أرضية مجتمعه، والمسؤول لا يجد من يحاسبه على اختلاسه لأموال الدولة، في الوقت الذي يُـعاقب المواطن البسيط على رشوة ضئيلة، اضطر لأخذها حتّـى لا يموت من الجوع، فيُـلقى في السجن، ويُـحرم من وظيفته،عندها يدفع المرء المحبط إلى اللجوء للشعوذة، ما دام الضعيف يُـطبّق عليه القانون، والقوي يُـغضُّ الطرف عنه لمكانته الاجتماعية، بالرغم من أن الجميع روى ظمأه من نبع الخطيئة!.
 
قبل أن نعلن حسرتنا على ضياع الخمس مليارات دولار على المشعوذين، لنسأل المؤسسات بتباين تخصصاتها عن دورها في الأخذ بيد المواطن العربي، ومنحه حقه الطبيعي في العيش عيشة كريمة على أرضه. نعم, نستطيع أن نُـطالب الفرد العربي أن يُـدير ظهره لهؤلاء العرافين، لكن بعد أن نقتلع كل الآفات الضارة من تربتنا. أحياناً الناس يغمضون أعينهم ليس لرغبة في النوم، وإنما هرباً من واقعهم، ويحلقون في سماء الخيال، على الرغم من يقينهم بأنها أحلام صنيعة أيديهم، إلا أن هذا الشعور يمنحهم لذة الاسترخاء!.