“سـوشـي ” العـاريات

“سـوشـي ” العـاريات

“سـوشـي ” العـاريات

الجمعة 27/5/2005

 
في بقع عديدة من دول العالم الثالث بما فيها أرجاء من عالمنا العربي، ما زالت المرأة ذلك المخلوق الجميل، محشورة في ركن قصي، لا تملك الحق في رفع صوتها، حتّـى لا تنعت بالتحرر والفسوق، أو تتهم بالخروج عن تعاليم الدين! مكانة المرأة تراجعت عن السابق، وهذا يعود من وجهة نظري إلى عوامل كثيرة، من أهمها التدهور الاقتصادي الذي اجتاح معظم دول العالم. قد يتساءل البعض, ما العلاقة بين الوضع الاقتصادي وبين الانحدار الذي وصلت إليه المرأة؟! المضطّر كما يُـقال يركب الصعب، وإذا لم تجد المرأة أمامها سبلا للعيش الكريم، ستجد نفسها في نهاية الأمر، منساقة خلف الكثير من المغريات التي تستغل أنوثتها وتحط من كرامتها. وهذا لا يعني أنني أبرر الخطأ، ولكن المرأة التي تنشأ في مجتمع يسلبها أهليتها، ويُصادر حقوقها، ويغض النظر عن الانتهاكات التي تتعرض لها يوميا، سيحولها إلى مخلوق هش لا يقوى على مواجهة مشاكله، وبالتالي من السهل إيقاعه في هوة الزلل.
 
في أوروبا وأميركا، هناك انتهاكات كثيرة في حق المرأة، حيث تتعرض المرأة للعنف المنزلي، وإلى التمييز في الكثير من أوجه الحياة، لكن على الجانب الآخر هناك جمعيات ومؤسسات نسائية تهبُّ لمساندتها، وقوانين صارمة تلجأ إليها لتدعمها. لكن في بلداننا العربية ما زالت هذه المؤسسات قليلة إن لم تكن معدومة، اللهم إلا إذا استثنينا دولاً محدودة. على سبيل المثال تونس، التي قدّم فيها الرئيس بورقيبة للمرأة الكثير من الامتيازات، ومؤخرا المغرب حيث أمر الملك محمد السادس بالمزيد من الحقوق للمرأة المغربية فيما يخص الزواج والطلاق، بإقراره حق مقاسمة الزوجة لثروة الزوج في حال الطلاق.
 
في العديد من الدول العربية، يتم تطبيق الخلع، لكنه أصبح ورقة خاسرة للمرأة، فمن غير المعقول أن تخلع المرأة زوجها الذي تحملت إهانته سنوات وسنوات، ثم تكافئه على اضطهاده لها، بأن تقدّم له كل شيء بدل أن يعوضها عن السنوات التي عاشتها معه، وعن عمرها الذي أهدرته معه، وعن شبابها الذي أفنته من أجله وأجل أبنائه.
 
لقد سبق وأن طالبت في مقالات سابقة، من علمائنا الأفاضل، أن يعيدوا النظر في قضية الخلع التي أقرها الإسلام في ظروف معينة، ووجوب سن تشريع يحق بموجبه للمرأة اقتطاع جزء من مال زوجها، وأعني هنا المرأة التي بلغت من العمر عتيّا، والتي استبدلها زوجها بأخرى في عمر أبنائها، بعد أن أنفضَّ أولادها من حولها، ومات أهلها.
 
في الصين هناك أكلة مشهورة، يتم فيها تقديم الأطعمة على أجساد النساء، يُـطلق عليها اسم “سوشي العاريات”، وقد فرضت السلطات الصينية على مطعم ياباني تعوّد على تقديم السوشي بهذه الطريقة، دفع غرامة مالية، لأن طريقته فيها خدش لحياء المرأة، وانتهاكا لإنسانيتها. للأسف ما زالت المرأة في نظر الكثيرين، مجرد طبق شهي للرجل، يلقيه متى فرغ من التهامه، وأن المرأة لا دور لها في تحريك عجلة الحياة، لكن الحياة ستظل معوجّة، كثيرة المطبات، ولن تستقيم دروبها، إلا إذا تحررت المرأة من عقدة الموروثات الذكورية، وأُفسح لها المجال لكي تنتج وتأخذ بمقدار ما تعطي، حتّـى تشعر بالاستقرار النفسي من خلال تحقيق ذاتها. وأختتم بعبارة جميلة للأديب جبران خليل جبران “إن المرأة من الأمة كالشعاع من السراج، وهل يكون السراج ضئيلا ما لم يكن زيته شحيحا!”.