هدْهِد أحلامك الصغيرة

هدْهِد أحلامك الصغيرة

هدْهِد أحلامك الصغيرة

الجمعة 14/4/2006

 
يقول الفيلسوف نيتشه: “هناك شخص واحد لم يذق طعم الفشل في حياته. إنه الرجل الذي يعيش بلا هدف”. إننا جميعا نحمل في أحشائنا أجنة من الفشل، وإجهاضنا المتكرر لها على أرصفة حياتنا، لا يؤكد أننا أناس لا فائدة منهم، بل العكس هو الصحيح، فهذا يعني أننا نعي قيمة الحياة، لأن الإحساس بمرارة الفشل في حلوقنا، أفضل آلاف المرات من أن نحيا دون هدف نحبه، ونجاهد من أجل الاستحواذ عليه.
 
هناك عبارة هندية جميلة تقول بأن سقوط الجواهر على الأرض لا يُفقدها قيمتها. وهذا يؤكد أن سماعنا لصوت تكسّر أحلامنا على أرض الواقع، لا يعني أن عظامنا هشة، بل يدل على مدى صلابتها ومتانتها.
 
قرأت خبر فوز رجل بورقة يانصيب تُقدّر بـ853,492 ألف دولار، وعندما علم بفوزه هرع إلى غرفته، وقام بتنظيفها، ليعثر على ورقة اليانصيب التي اشتراها ولم يلقِ لها بالاً، حتّى وجدها ملقاة تحت سريره. هذه القصة على ندرتها، تشبه طريقة حياتنا بعض الشيء. فكم من الأحلام التي تربت في حجرنا، ألقيناها خلف ظهورنا لإحساسنا بأنها لن تُحقق طموحاتنا!! وكم من الأشياء التي قذفنا بها من نافذة أيامنا لاعتقادنا أنها لا تُشكّل شيئا في عمرنا!! نفاجأ بعد مرور الأيام بأنها كانت ورقة رابحة. لكن ليس كل الناس محظوظين مثل هذا الرجل، ليجدوا الورقة الرابحة في حياتهم في مكانها تنتظر عودتهم!! فلا تستهترْ بأحلامك الضئيلة الحجم، قد تكون هي نفسها، الضوء القوي الذي تتلمس به طريقك في الظلام لتصل إلى قمة النجاح.
 
عندما يُحقق الإنسان نجاحات في حياته، يرشقه الكثيرون بسهام الحسد، معتقدين أنه محظوظ، غافلين عن أن الحظ ليس عشوائيّا، ولا يطرق الأبواب مثل عابر سبيل ضلَّ طريقه، وإنما يرتبط بمدى احترام الإنسان لأحلامه، وقدرته على هدهدتها إلى أن تبلغ سن الرشد.
 
كثيرون يسألونني.. هل أنتِ امرأة محظوظة؟! أجيب بأنني محظوظة بخصلة عنادي التي جعلتني كلما وقعتُ أمسح دمعي، وأعيد ترتيب هندامي، وأمسح من ذاكرتي كل ما علق بها من مآسٍ لأبدأ من جديد، وفي غمرة هذا الصراع لم أسقِط شيئا من حاجياتي الصغيرة. تعلمتُ من ذاكرة الأيام أن أدواتي المتواضعة، التي أحتفظ بها في خزينة عمري، هي التي جعلتني أصمد لأحقق كل ما تطمح إليه نفسي.
 
أقرأ بين حين وآخر، عن حوادث انتحار، لأشخاص من مختلف الأعمار، قرروا وضع حد لحياتهم بطرق مأساوية، تاركين خلفهم رسائل توضّح الأسباب التي دفعتهم إلى اختيار هذا الطريق المسدود الذي لا رجعة منه، أجد أن معظمها تصب في عدم قدرة أصحابها على مواجهة سقطات الحظوظ، وفي عدم استطاعتهم تحمّل ضربات الفجيعة التي باغتتهم بها الأيام، وأنهم لم يفكروا في انتهاج هذا الدرب إلا بعد أن أعيتهم الحيلة، وأصابهم العجز في كافة أطرافهم.
 
في أحيان كثيرة لا نسمع سوى أنّات أوجاعنا تصدح في دواخلنا، لكن الإنصات لهذه الأنّات لا يعني أن نقف عندها طويلا، بل الأسلم لنا أن نتعلّم كيف نخمدها تدريجيّا إلى أن يعلو صوت التفاؤل في أفئدتنا.
 
ربما حلم تافه يربض في قيعان ذكرياتنا، قادر على إنعاش أرواحنا، ودفعنا للتشبّث بحب الحياة والنضال فيها. اجلسْ لحظة صفاء مع ذاتك، وعاود ترتيب أفكارك، وسط هذا الضجيج المتراكم من مسؤوليات الحياة، بالتأكيد ستجد غرسة يتيمة تنتظر منك الارتواء.