حوارنا مع الآخر

حوارنا مع الآخر

حوارنا مع الآخر

الجمعة 5/5/2006

 
على أرض المفكر جان جاك روسو، الذي أدّت أفكاره إلى تفجير أكبر ثورات التاريخ، دُعيتُ للمشاركة في المنتدى الأول للحوار العربي- الأوروبي، الذي انعقد مؤخراً برعاية السيد جاك شيراك رئيس جمهورية فرنسا، في معهد العالم العربي بباريس، بالتنسيق مع الغرفة التجارية العربية- الفرنسية، من خلال أمينها العام الدكتور صالح الطيّار.
 
كان المنتدى مكوّناً من ورش عمل متباينة في مواضيعها، من أهم أطروحاتها، التركيز على ظاهرة الأسلمة، أو بمعنى أصح تسليط الضوء على أسباب العودة إلى النمط المحافظ، الذي غدا مسيطراً على أوجه الحياة في أرجاء متفرقة من العالم العربي.
 
كما ألقت أطروحة أخرى، الضوء على قضايا المهاجرين من العرب والمسلمين، الذين يترك الآلاف منهم أوطانهم بحثاً عن لقمة العيش، وذكر العوامل الجوهرية التي أدت إلى تدفق الهجرة على البلدان الأوروبية، وأهمية تعزيز العلاقة بين المؤسسات التربوية من ناحية، والحياة الاقتصادية من ناحية أخرى لكي يتم الحد منها، خاصة وأن هجرة الأيدي العاملة للدول الأوروبية أصبحت مصدر قلق بالغ لحكوماتها.
 
كما تم التطرّق من خلال ورشة العمل الخاصة بالشباب والتنمية، إلى الحث على تعزيز الحوار البنّاء بين الشباب والحكومة، بفتح القنوات الإعلامية لهم، وإعطائهم الفرصة للمشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد كال أحد المشاركين التهم لعدد من الحكومات العربية، بأنها السبب في إفراز أجيال من الشباب فارغة دواخلها من الاعتزاز الذاتي، بسبب استخدامها أساليب تخديرية تنصب في غمس الشباب في الرياضة، والبرامج الترفيهية، والفن الهابط.
 
كان جليّا أن القائمين على المؤتمر قد قاموا بجهد كبير لإنجاحه، مع هذا كان ملاحظاً أن عدد الحضور من الأوروبيين محدود مقارنة بالكم الكبير من الحضور العربي.
 
تساءلتُ بوجع إن كان هذا المؤتمر أقيم من أجل حوار عربي مع عربي، أو من أجل مد جسر التقاء بين العربي والأوروبي كما كان مقررا!ً! سمعتُ الجواب الوافي من معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، الذي وجه في ختام المؤتمر عتاباً للاتحاد الأوروبي لتقاعسه عن تواجد ممثلين له!!.
 
هل تغيّب الأوروبيون عن الحضور، يُعتبر رسالة ضمنية منهم أنهم برفضهم إقامة حوار معنا، من منطلق قناعتهم الذاتية أنه لا فائدة منا؟! هل يعني أن الغرب مصرٌّ على أن ينظر إلينا نظرة فوقية متعصبة، وأنه مترفع عن وضع نفسه في مواجهة ندّية معنا؟! هل هناك فهم خاطئ في نظرة كل منّا للآخر، كون معظمنا يقرؤهم بطريقة انفعالية، وجلّهم يقرؤوننا بطريقة فيها الكثير من الجهل؟! كيف يمكن إقامة استراتيجية ثقافية اقتصادية، إذا كنّا في نظر الآخر الغربي علامة استفهام لا معنى لها من الإعراب؟!.
 
مع هذا إقامة المنتدى الأول في قلب باريس، كان يُشكّل من وجهة نظري خطوة ناجحة، لأن سماع وجهات النظر المتباينة التي تتحدّث بلسان عربي، أكّد للجميع أن هموم الإنسان العربي والمسلم واحدة، وأن تطلعاته صافية السريرة. كما أن التحدّث بصوت عالٍ على ضفاف نهر السين، وعند حديقة برج إيفل، وأزقة الحي اللاتيني العريق، كفيل بأن يقول إن ثقافة الحوار لابد أن تؤتي أُكلها يوماً ما، لأن مناخ الحرية في بلد كفرنسا، يفتخر دوماً بأنه أرض الثقافة، ومنبع الفلاسفة والمفكرين، لابد أن تسعى نخبه إلى تحقيق التلاحم الذي تتطلع إليه الشعوب، حتّى وإن تغاضت عنه زمناً ليس بالقصير!!.