عـيـب عليـنا

عـيـب عليـنا

عـيـب عليـنا

الجمعة 19/5/2006

 
جميل أن تتذّوق الشعوب طعم الديمقراطية، أن تتحمّل تبعية قراراتها بقلوب صلبة، أن تتبختر فرحة على ضفاف الأنهار وتتغنى بأنها تعيش طليقة على أرضها. أن تحس بحقها في أن تصفق لمن تريد، وتدير وجهها عمّن تشاء، وتُولي ظهرها لمن تضيق به. فالشعوب على مدار التاريخ هي وحدها القادرة على رفع مكانة حكوماتها متى رغبت في ذلك، وهي أيضاً التي تستطيع أن تحطَّ من شأنها متى أصرت، لأن إرادة الشعوب هي المنتصرة في نهاية المطاف.
 
لماذا لم يحترم العالم قرار الشعب الفلسطيني حين اختار حكومة “حماس” كممثل شرعي له؟! لماذا وقفت دول الغرب الكبرى في وجهه، وأصرت على معاقبته؟! أليس احترام قرارات الشعوب من صميم العملية الديمقراطية؟! ألم يتغنَّ الغرب بمبادئ الديمقراطية، ويتفاخروا علنا بأنهم يتميزون بها عنّا؟! لماذا هذه الديمقراطية جمَّدها الغرب في قوارير إسمنتية غير قابلة للكسر، حين مسّت توجهاتهم، واختلفت مع مساراتهم؟! لمَ يجب على الديمقراطية أن تُقنن، حين تتجاوز حدود بلدانهم، وتتعارض مع مصالحهم؟! هل لأننا في نظر الغرب شعوب همجية لا تعرف مواقع أقدامها، وبالتالي يجب على الغرب تلجيم أفواهها؟!.
 
أنا بالفعل حزينة على ما آلَ إليه حالنا كعرب ومسلمين. لقد وقفنا وقفة التلميذ المتبلّد الذي هرب من حصة أستاذه المتسلّط، مع أنه يؤدي كافة فروضه المدرسية، وقادر على تسميع الدروس المفروضة عليه بصوت عالٍ، لكن أحياناً كثيرة الخوف والرغبة في الحفاظ على المصالح، والنظر للعواقب المحتملة، تجعله يدسُّ جسده أسفل المقعد حتّى لا يصطدم مع جبروت معلمه!!.
 
أليس عيباً أن تقف الأمة العربية والإسلامية هذا الموقف المخزي تجاه ما يجري من حصار وتجويع للشعب الفلسطيني، معاقبة له على اختياره طريق الديمقراطية؟! أليس عيباً أن تنصاع كافة المؤسسات المصرفية لقرار المجتمع الدولي بعدم تحويل الأموال لأكثر من 156 ألف موظف، جميعهم يعيلون أسراً كاملة؟! أليس ما يحدث يُعد جريمة فادحة في انتهاك لحقوق الإنسان داخل فلسطين، من خلال تجويع شعب كان أول المتضررين منه الأطفال والمرضى؟! أين الصوت العربي؟! هل وصلنا إلى مرحلة من الضعف والهوان والتشرذم بحيث لا يُجدي أي نوع من الأدوية لتطبيبها؟! لماذا لم تعلُ أصوات الضمائر الحية في عالمنا العربي، للتنديد بكسر الحصار عن أبناء عروبتهم الفلسطينيين؟!.
 
كأن قدر الفلسطينيين أن يتلقوا الصدمة تلو الصدمة، فمع حلول الذكرى الأليمة على نكبة ضياع فلسطين، تُعلن محكمة العدل الإسرائيلية رفضها للالتماس المقدّم من جمعية حقوق المواطنين، في تجميد منح المواطنة لفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزه المتزوجين من عرب 1948 داخل إسرائيل مما يعني الحكم على أفراد الأسرة الواحدة بالشتات داخل وطنها!!.
 
إنها قمة العنصرية، واحتقار لآدمية الإنسان، في زمن يُنادي فيه المجتمع الدولي بوجوب تحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية على الأرض.
 
يظهر أن المسافة ما زالت بعيدة بيننا كعرب ومسلمين، وبين تذوّق معاني هذه الشعائر الجميلة فعلياً في أوطاننا، كأن قدرنا أن نبلع الطعم ونحن صاغرون، ونتلقى الضربات في الظلام ونحن خانعون، مكتفين بالتنفيس عن أوجاعنا، بالغناء في مقاهينا على “ليلى” المريضة في العراق، والاستماع بأسى لشعرائنا وهم يُطلقون حناجرهم بأبيات تتحسّر على العز الزائل. للأسف نحن في أعماقنا لا نملك حق تسجيل أسمائنا في سجلات الحرية، لأن تسطير كلمة أنا حر وئدت منذ أمد بعيد في أرحام بلداننا!!.