” أيان علي” وعصفور الكناري

” أيان علي” وعصفور الكناري

” أيان علي” وعصفور الكناري

الجمعة 9/6/2006

 
هل البلدان المتحضرة المعروفة بتسامحها، واحترامها لحرية العقيدة، أصابها وباء التعصّب تجاه الآخر؟! هل غدت العنصرية داخل البلدان الغربية، أداة للتعامل مع الأقليات المقيمة على أرضها، بعد أن لفح وجهها صهد التطرّف، على يد من فتحت لهم ذراعيها بالأمس، من المهاجرين الهاربين من بلدانهم؟! هل الخوف الرابض في النفوس من الدين الإسلامي، وأنه دين يُنادي بالعنف، صار يُشكّل هاجساً كبيراً لدى الغرب، مما دعاه إلى إغلاق مجتمعاته في وجوه العرب والمسلمين؟! الناشطة المدافعة عن حقوق المرأة، النائبة الصومالية المولد “أيان هيرسي علي”، أعلنت مؤخراً قرارها بالانتقال إلى الولايات المتحدة الأميركية للعيش هناك، بعد أن رفضت وزارة الهجرة الهولندية منحها الجنسية، بحجة عدم اتباع هيرسي للقواعد الصحيحة في طلبها الهجرة لهولندا، وإن كانت الحقيقة المتوارية في الظلال، عدم رغبة الحكومة الهولندية في جلب المزيد من المتاعب على أرضها.
 
عدتُ بذاكرتي إلى فترة قريبة، حين بعثت لي صديقة شاعرة، عربية مسلمة، تُقيم في هولندا منذ أكثر من عقدين، برسالة تقطر ألماً، عن اضطرارها إلى مغادرة هولندا، بسبب تضييق الخناق عليهم، وتقييد حركتهم.
 
وقد لفت انتباهي مقال لليزا جاردين، الأستاذة بجامعة كوين ماري بلندن، التي تُعلق فيه عن مستقبل حرية التعبير والتسامح في هولندا، مبدية أسفها لتقلّص مساحتها بعد حادثة مقتل المخرج “فان جوخ” على يد متطرف مسلم في وضح النهار وأمام المارة، نتيجة إخراجه فيلماً يتحدّث عن الانتهاكات التي تقع للنساء المسلمات داخل مجتمعاتهن، والذي كان خلف مقتله، رسالة تهديد مبطنة لأيان هيرسي علي، التي كتبت سيناريو الفيلم. وقتها هزت الحادثة الشارع العام الهولندي، ودفعته إلى تأييد حكومته في وضع قوانين صارمة للحد من هجرة الأجانب، خاصة الفئة المسلمة، لقناعته الذاتية بأنه دفع ثمن تسامحه الذي آمن به عقوداً طويلة.
أعجبني المثل الإنجليزي الذي أخذت به ليزا جاردين، القائل “انظر إلى عصفور الكناري في المنجم، إن صحَّ وعاش عرفتَ أن الهواء صحيح”. توقفت هنيهة عند العبارة، وتركتُ حادثة “فان جوخ” خلفي، وأبعدت أوجاع “هيرسي” عن فكري، وتطلعت حولي متسائلة.. تُرى كم من العصافير العربية قُتلت في أعشاشها داخل بلداننا العربية؟! وكم من الطيور العربية سقطت على الأرض مضرجة في دمائها، وهي تُحلّق فرحة في فضاءاة مجتمعاتها، نتيجة ارتفاع موجة النعرة الطائفية، وتكفير الآخر، والنظر بدونية للمذاهب الأخرى؟!.
يقول “تريفر فيلبس”، رئيس لجنة المساواة العرقية في بريطانيا، إن الناس يُصبحون أكثر سعادة حينما يختلطون بأفراد مثلهم. لا أدري على أي أساس بنى فيلبس حكمه!! هل بناه على الواقع الشرس الذي ارتفعت فيه نبرة التطرّف الديني، أم بنى حكمه على إحصائيات حقيقية، أم على حصيلة من التجارب الحياتية؟!.
 
ما يجري اليوم في العالم من شرقه لغربه، ومن شماله لجنوبه، وارتفاع الأصوات المتعصبة في كافة أرجاء المعمورة، لا يعني أنها الأصوب، وشُرب الناس جميعهم من بحيرة راكدة لا يؤكد أنها صالحة للشرب الآدمي، العقلاء وحدهم هم ولو كانوا قلة، من لا يهرولون خلف الحشود المندفعة، حتّى ولو بلغ بهم العطش مداه، بل يتريثون ويصمدون لمواجهة هذه الموجة العاتية.
 
عندها فقط، تستطيع عصافير الكناري، وطيور البرية، وعصافير الفجر، التحليق في الفضاءات دون خوف أو رهبة، بل وتملك القدرة على التغريد منتشية داخل الكهوف المعتمة، ما دام هناك شق صغير يتسرب منه ضوء النهار!!