إنها ردة اجتماعية

إنها ردة اجتماعية

إنها ردة اجتماعية

الجمعة 16/6/2006

 
لا يمكن للمرء أن يُصفق بيد واحدة، ويتوقّع أن يسمع دوي تصفيقه يخترق طبلتي أذنيه. كذلك لا يمكن للإنسان أن يمشي على قدم واحدة، دون أن يُشير إليه المارة وينعتونه بالإعاقة البدنية. هذا شأن المجتمعات، لا يمكن أن تستمر كينونة الحياة دون شراكة المرأة والرجل، ومن غير الممكن أن تتقدم الأمم، وتُحقق إنجازات على أرض الواقع، طالما أصرت على وضع المرأة خلف أستار واهية، والنظر إليها كمخلوق ناقص الأهلية، يجب وضعه طوال الوقت تحت الإقامة الجبرية.
 
لقد تناسى المروجون لهذه النظرة الرجعية، أن المرأة والرجل لا يمكن أن تكتمل دورة الحياة إلا من خلالهما معاً. ومن غير الممكن أن تكون هناك مجتمعات سوية، يُصر أفرادها على إخماد صوت المرأة. فإلى متى ستظل العديد من المجتمعات العربية، تستخدم الدين كذريعة شرعية، لتحجيم دور المرأة!! وإلى متى سيستمر مسلسل الانتهاكات الصارخة لحقوقها!
 
للأسف حتّى الإعلام العربي، ساهم هو الآخر في الترويج لهذه النظرة الضيقة، من خلال إفساح المجال لأصحاب الأفكار المتحجرة، في إصدار أحكامها وفتواها المتطرفة على الملأ، في حق المرأة العربية المسلمة، متجاهلاً أن هذا الفعل سيؤدي على المدى البعيد، إلى نشوء أجيال جديدة من الشباب، تستهين بفكر المرأة، وبقدراتها الذهنية، وكفاءتها العلمية!!.
لقد سخرتُ من الاستطلاع الذي نشرته مؤخراً جريدة “الشرق الأوسط” نقلا عن مؤسسة “غالوب”، أن المرأة المسلمة لا ترى نفسها مواطنة من الدرجة الثانية، وأن الحجاب والنقاب اللذين ينظر إليهما الغرب باعتبارهما من وسائل القهر، لا يُشكّلان هاجساً لدى المرأة المسلمة. لا أدري من قال إن المرأة المسلمة همها الأول والأخير ينحصر في قضية الحجاب!! إن هذا القرار على الرغم من شرعيته الدينية، هو قرار شخصي في نهاية الأمر، ومطالبة المرأة بحقوقها، هي أولاً وأخيراً قضية إلزامية، تقوم على وعي المرأة المسلمة بحقوقها، والتمسك بها، ولا تعتبرها منة من الرجل تنتظر أن يُصادق عليها، بجانب أنها مسؤولية تقع كذلك على المرأة المثقفة، في توعية بنات جنسها على حقوقهن، فالمرأة ما زال أمامها الكثير من المطالب، وأقصد مساواتها مع الرجل في مجالات التعليم، والوظائف، وحقها في المشاركة بالحياة العامة على مختلف دروبها.
 
لقد خرج عميد كلية الشريعة في جامعة الكويت، ليدلي بفتوى تُحرّم الزوجة الكويتية من حق التصويت في الانتخابات دون إذن زوجها، وعلى الرغم من تراجع الدكتور محمد الطبطبائي عن فتواه بعد أن هاجمه الكثيرون، واعتبروا فتواه إنقاصاً لحق المرأة، إلا أنه يفرض عدة تساؤلات.. لماذا يجب إقحام الدين في السياسة، حين يتعلق الأمر بمطالب المرأة؟! أليست المرأة هي حاضنة الأجيال؟! أليست المرأة هي الأم التي ربت في حجرها الزعماء والحكام والقادة والرجال الذين صنعوا تاريخ الأمم؟! لماذا تُعطى المرأة رعاية الأبناء في صغرهم، وحين يشبون عن الطوق يتنكرون لصنيعتها، ويديرون ظهورهم عن عطاءاتها، ويرفعون الثقة عنها؟! إنها ردة اجتماعية بكل ما تحويها هذه الكلمة، وصلاح المجتمعات لن يكون إلا إذا ساهمت المؤسسات التربوية والتعليمية في تصحيح مسار التاريخ الذي لحق به التشويه، بعد أن تمت كتابته على يد ذكور متزمتين انحازوا لمصلحة الرجل، وتعمدوا طمس أدوار المرأة التي صنعتها على مدار التاريخ، متغافلين عن أن المجتمعات لا يمكن أن تتقدم بنصف مبتور، وإلا لفظت أنفاسها في منتصف الطريق دون أن تجد من يترحم عليها.