أريد أن أفهم

أريد أن أفهم

أريد أن أفهم

الجمعة 30/6/2006

 
هل نحن بالفعل نعيش في زمن ارتقت فيه البشرية إلى أعلى مراتبها؟! أم أن الحقائق المحيطة بنا تؤكد طغيان الماديات على العالم بأسره، من شرقه لغربه، ومن شماله لجنوبه؟! هل الزمن الذي عاش فيه أجدادنا على الرغم من وعورة سبله المعيشية، أفضل آلاف المرات من عصرنا، الذي يُقدّم لنا كل يوم شيئاً جديداً بفضل التكنولوجيا الحديثة؟! لماذا تراجعت مرتبة الإنسان مقارنة بالعصور السابقة؟! لمَ غدت الماديات لها الأفضلية مقارنة بالروحانيات، حين يتطلب الأمر اختيار إحدى الكفتين؟! إذا كان الإنسان هو صانع حضارات الدنيا على مر الأزمنة، لمَ بات أكثر شراسة في تعامله مع بني جنسه؟! لماذا أصبحت الماديات هي البطلة المنتصرة في كل مباريات الحياة؟!.
 
أحاول طمأنة نفسي، وأنني أبالغ في هواجسي، أفتح التلفاز، فتصيبني حالة من الهلع الممزوجة بالأسى وأنا ألاحق بعيني ما يجري على الكرة الأرضية، من انتهاكات ومذابح دموية لا تستثني أحداً، فأردد بصوت خافت.. لمصلحة من ما يجري؟!.
يتوقف نظري عند خبر منشور على الإنترنت، يُطالب فيه ناشطون في مجال الدفاع عن حقوق الحيوان، باستقالة مدير حديقة لوس أنجلوس، وذلك بعد اتهامه بأنه المسئول عن نفوق فيل آسيوي، وأن هذا يعود إلى الإهمال والمعاملة اللاأخلاقية التي تتلقاها الحيوانات في هذه الحديقة. جميل أن نرأف بالحيوانات، لكن ماذا عن الإنسان الذي كرّمه الله!! أليس له الأفضلية في أن يستحوذ على هذا الاهتمام، من خلال الدعوة الملحة إلى توفير الأمن له، وتحقيق السلام على أرضه؟! ألا تُعد هذه المطالب من أبسط حقوقه الآدمية؟!.
 
يلفت انتباهي الإعلان الصادر عن فيلسوف وعالم بريطاني، بأنه نجح في حل اللغز الذي حيّر البشرية طويلاً.. من الذي أتى أولاً، البيضة أم الدجاجة!! مؤكداً بأن البيضة وُجدت قبل الدجاجة، شارحاً أسبابه العلمية التي استنتجها لحل هذا اللغز. ومع احترامي لمجهودات هذا الفيلسوف، إلا أنني لا أدري ما أهمية إن جاءت البيضة قبل الدجاجة، أم جاءت الدجاجة قبل البيضة؟! وهل انتهت كل هموم البشر، ومشاكلهم الحياتية، ولم يعد أمام العلماء سوى التفكير في وضع تفسير علمي لهذه المعضلة العويصة التي يُعتقد أنها تؤرق الناس صباحاً ومساءً؟! أليس الأهم أن نعرف سبب انتكاسة البشرية إلى المنزلقات الخطرة؟! أليس الأهم أن يُنقّب العلماء عن العوامل التي أدت إلى الاستهانة بالنفس البشرية؟! أليس الأهم أن يسعوا للكشف عن السر في ارتفاع نبرة المصالح على حساب طمس صوت المبادئ؟!.
 
الغريب أننا رغم كل سبل الرفاهية المحيطة بنا، إلا أن نسب الفقر ترتفع في العالم يوماً بعد يوم. وتنتشر أمراض لم نسمع بها من قبل، أمراض قاتلة، شرسة، تحصد يومياً آلافاً مؤلفة من الأرواح. وإحصائيات تُشير إلى ارتفاع أعداد الأميين، وتزايد العنف الأسري بكافة أنواعه على النساء والأطفال. وانحسار الثقافة الفكرية بين الأجيال الجديدة، كنتيجة حتمية لثقافة “الهشك بشك” التي يتم الترويج لها في القنوات الفضائية.
 
ما الذي يحدث؟! كم أود أن أسمع إجابات وافية من العلماء، والفلاسفة، والمفكرين، الذين ما زالوا يدسّون أنوفهم في أمور أكل عليها الدهر وشرب .