لك الله يا لبنان!

لك الله يا لبنان!

لك الله يا لبنان!

الجمعة 21/7/2006

 
يُقال إن المرأة الباهرة الجمال، لا تعرف الراحة طريقها لقلبها، ولا تنعس إلا بجفنين نصف مغلقين، تظل قلقة على حياتها، متخوّفة حول مصيرها، نتيجة الأنظار التي تُحاصرها أينما ذهبت وحيثما حلّت. فهي مطمع للنفوس الضعيفة، التي تشتهي تذوّق حلاوة فتنتها، وإلى إطفاء شبق غريزتها في كل رقعة من جسدها.
 
لبنان، البلد الجميل الذي لم يفق بعد من صدمته، وما زال يُكفكف دمعه حزناً على فراق قائده رفيق الحريري، ها هو تُستباح أرضه، ويُقتل أبناؤه، كأن قدره أن يعيش في حزن دائم، تتشح مبانيه بالسواد، وتُجف أنهاره، وتسيل في طرقاته دماء الأبرياء.
 
وأنا أطالع التلفاز وأتابع ما يجري بلبنان، خلتُ أنني أشاهد فيلم “أكشن” من أفلام هوليوود، لكن الفرق أن البطل الأميركي صانع المعجزات، هو الإنسان المثالي الذي ينتصر حتماً في النهاية على عصابة الأشرار، بعكس ما يجري من مآس على أراضينا العربية التي تكون شعوبها دوما الضحية.
 
هل قدر لبنان أن يعيش أهله في كابوس دائم؟! هل لأن شعبه ينفر بطبعه من العنف، ويدعو دوما إلى نثر بذور الحب؟! هل لأن شعبه صبور، لا يعرف طعم الهزيمة، كلما وقع، عاود الوقوف، ومشى قدماً إلى الأمام بروح متفائلة؟!.
 
رفعتُ سمّاعة الهاتف لأطمئن على سلامة صديقتي اللبنانية، يُفاجئني صوتها الغارق في الأحزان، تقول لي باكية… لماذا يجب على لبنان وحده، أن يواجه الأعاصير؟! لماذا لا يتركوننا وشأننا، نُعمّر وطننا بسواعد أبنائنا؟! لماذا دوماً لبنان في قلب العاصفة؟! هل مقدّر علينا أن نخرج من حرب، لم يكن لنا فيها لا ناقة ولا جمل،لنتورط في حرب أخرى، نتحمّل وحدنا وزرها؟! تمنيتُ لو أعطيتها إجابة وافية. أطيّب خاطرها، أدعو أن يحفظ الله لبنان، الحبيب على قلوبنا جميعا.
 
أتذكر زيارتي الأخيرة لبيروت، استوقفني رجل مسن، بشارع الحمرا، مد لي يده بورقة يانصيب، ناولته دولاراً ومضيت، لحقني طالبا مني برجاء أن آخذ ورقة اليانصيب منه مقابل الدولار الذي نفحته إياه. هذا هو لبنان، إن قدمتَ له معروفاً ولو بسيطاً، أعطاك حبه كله.
 
اليوم وأنا أرى لبنان ينتحب، بكيتُ معه، لكن ما حزّ في نفسي أن الشعوب العربية وقفت صامتة على ما يجري، دون أن تفكر في الخروج في مظاهرات بالشوارع في كافة عواصم العالم، لتعترض على ما يجري على أراضينا من مآس دموية.
 
لقد خرج كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة ليقول بأنه مستاء لما يحصل في لبنان، فقط مستاء، لم يندد، لم يُهدد بتحويل القضية إلى مجلس الأمن. كان الله في عونك اليوم يا لبنان، وأنت تتلقى الضربات. لقد كان الله معك في الماضي، حين غرقت خمسة عشر عاماً في الحرب الأهلية، وكان معك بالأمس القريب حين قُتل زعيمك رفيق الحريري الذي كان حلمه الكبير أن يراك أجمل مدن العالم. والله سيكون في عونك اليوم، وأنت تتعرض لهذه الهجمة الوحشية، لأن شعبك الخلاّق، المبدع، متيّم بك، لا يمكن أن يتخلّى عنك في مصابك الجلل.
 
مطابع بيروت التي حضنت مثقفي العالم العربي، والتي فتحت ذراعيها لكل المبدعين على اختلاف توجهاتهم ومواقفهم، واجبهم يحتم عليهم الدفاع عن سلامة هذا البلد، بالتنديد في المحافل الدولية بما تقترفه إسرائيل من مجازر، ورفع وثائق احتجاج إلى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان، من أجل دعم هذا الشعب حتّى يتجاوز محنته، شعب كل ذنبه أنه يملك وطنا رائعاً اسمه لبنان.