ويتساءلون… لماذا؟!

ويتساءلون… لماذا؟!

ويتساءلون… لماذا؟!

الجمعة 22/9/2006

 
“مات آخر عمالقة الأدب”. “برحيل نجيب محفوظ، انتهى عصر الفوارس”. كُتبت هذه العبارات وغيرها كعناوين عريضة في العديد من الصحف العربية، في وداع الأديب نجيب محفوظ. بل إن مقالات بعض الكتّاب عبّرت عن حال الثقافة العربية اليوم، وأن مكانتها قد خبت مقارنة بالعقود الماضية، وأن الأدب العربي انحسرت أدواره، ولم يعد هناك في الساحة ما يُبشر ببزوغ نجوم جدد، يضعون بصمات مميزة، ويتركون خلفهم أعمالاً خالدة، مثل التي تركها أدباء عظام أمثال نجيب محفوظ والعقاد وطه حسين، مترحمين على ذلك العصر الذهبي الذي وُلدت فيه على أيديهم مدارس فكرية جديدة، ومناهج نقدية متعددة، مُظهرين أسفهم على الحال الذي وصل إليه الأدب، وأنه صار يُماثل وضع الفن من حيث البنية الهشة، وأغاني الفيديو كليب الهابطة، والوجبات السريعة التي تتخم المعدة، وتُصيب الجسد بالترهّل وتكدسه بالشحوم.
 
هذه التعليقات والمقالات التي تأخذ طابع اللطم على الخدود، استوقفتني… هل بالفعل غدونا نعيش عصر الأدب الملطَّخ بالأصباغ الصارخة، الخالي من الأسس الفنية السليمة، الفارغ من مضامين فكرية راقية؟! هل بالفعل لم يعُد على أرضنا العربية من شرقها لغربها، ومن شمالها لجنوبها، ما يُبشّر بالخير، ويرفع من نبرة التفاؤل، ويُنبئ بظهور براعم موهوبة، يتوسم فيها الإبداع، في مختلف مجالات الفن، من أدب وشعر وموسيقى ومسرح وفن تشكيلي وغيره من الفنون الراقية؟!.
 
لنكن منصفين ونعترف بأنه على أرض الواقع، هناك معوقات كثيرة تمنع المواهب الحقيقية من أن تبزغ، وتشق طريقها بين الصفوف، فهي لا تلقى للأسف أيدٍ قوية تُمسك بيدها لكي تأخذ فرصتها، ولا تجد من يتكفّل برعايتها، حتّى تفرد ظلالها الوارفة على مجتمعها، مما يُؤدي إلى وأدها في مهدها، وضمور موهبتها، والانزواء في ركن قصي تندب حالها.
شيوع الواسطة، وانتشار الطرق الملتوية، والتنازل بسهولة عن المبادئ الحياتية، مقابل الصعود إلى القمم، أدّى إلى فتح الأبواب على مصراعيها أمام أصحاب الثقافة الهشة، والأفاقين، وذوي المواهب المزيفة، للتصدّر في الواجهة، وتراجع المواهب الحقيقية إلى مؤخرة الصفوف، كونها لا تُجيد استخدام أيٍ من هذه الأسلحة المزيفة، لكي تصل إلى مرادها!!.
 
الشيء المضحك المبكي، أن الناس في مجتمعاتنا العربية، يندهشون حين يسمعون عن أسماء عربية لمعت في الغرب، وترتسم علامات تعجّب على وجوههم، عن السبب في أن هذه المواهب لم يكن لها ظهور في بلادها، ولماذا رمت نفسها في أحضان الغرب، وتركت أوطانها خلفها!!.
 
هذه التساؤلات الساذجة يعلم إجابتها كل فرد منا، لأن جلَّ مجتمعاتنا العربية غدت قائمة على الأكاذيب المضلِّلة، مثل السياسات التي يتبعها الكثير من المسؤولين مع شعوبهم لتخدير أذهانهم، مما أدى إلى خلط المياه الراكدة مع الأنهار الجارية، وأضحى الذي يتمسك بقيمه ومبادئه، ويرفض الولوج بقدميه في مستنقع البيع والشراء، القائم على الغش والتدليس، مغفلاً كبيراً لا يُجيد اغتنام الفرص، منتهياً مصيره إلى الضمور الاجتماعي.
هذه الصور المخزية، تستلزم صحوة حقيقية من كافة المؤسسات التربوية والتعليمية، والإعلام بقنواته المتباينة، بالدعوة إلى تبنّي المواهب الحقيقية، وإفساح المجال أمامها لكي تأخذ فرصتها، ومحاربة كل أنواع الواسطة والمحسوبية!!.
 
إن المجتمعات التي تُولي ظهرها لموهوبيها، وتستهين بمبدعيها الحقيقيين، لن يكون لها مكان بين الأمم المتحضرة، وستتحول تدريجيّاً إلى مجتمعات تتعفن أحشاؤها!! أما تلك التي تحتضن كفاءات أبنائها، فستصبح مثل الكف المحفور على ظاهره وشم جميل، مهما حاول الغرباء محوه لن يستطيعوا إزالته بسهولة، فمتى نتقن حرفة المستقبل؟.!