السلام المعلّق وفصل الربيع

السلام المعلّق وفصل الربيع

السلام المعلّق وفصل الربيع

الجمعة 29/9/2006

 
عندما يسمع أحدنا كلمة سلام، ترتسم في مخيلته خطوط متداخلة، كألوان قوس قزح الجميلة التي تسرُّ الناظر إليها. لكن هل السلام في ظل الانكسارات والقلاقل والحروب التي تعصف بالعالم من كافة الاتجاهات، بالفعل موجود بيننا؟! أم أن السلام مثل فصل الربيع، لا يأتي إلا عندما تخضرُّ الأغصان، وتُورق الأشجار؟!.
 
سألتني إحدى الصديقات.. ما رأيك في تخصيص هيئة الأمم المتحدة 21 سبتمبر من كل عام، يوماً عالمياً للسلام؟! هل تعتقدين أنه بالفعل فرصة أمام الجميع، لعرض تجاربهم، والتحدّث عن معاناتهم؟! هل ترين أن هذا الطريق سيكون بداية لتقليص مساحة الدمار، التي طالت العالم بأسره؟!.
 
توقفتُ عند تساؤلاتها، وسرحتُ في مضامين عباراتها، وزفرتُ زفرة طويلة، وأغمضتُ عينيَّ، حائرة.. لمن تُقام احتفالات السلام؟! هل تُقام للشعوب المضطهدة، التي حُرمت من آدميتها داخل أوطانها؟! هل تُقام من أجل المجتمعات التي يُهتك عرضها يومياً باسم الحرية؟! هل تُقام تعاطفاً مع الأطفال، الذين سالت دماؤهم على تراب أوطانهم، دون أن يُعطوا الفرصة ليعرفوا لمَ حدث ما حدثَ لهم؟! أم للأمهات الثكالى اللواتي فقدن أبناءهن أمام أعينهن، دون أن يمنحن الفرصة ليحمين فلذات أكبادهن؟!.
 
أطبقتُ جفنيَّ، وحلمتُ بأن الفساد قد تلاشى من قاعات حكوماتنا العربية، وأن الأفاقين ألقوا في السجون لينالوا ما يستحقون من عقاب. حلمتُ بأن قانون من أين لك هذا، أصبح يُطبّق على القوي قبل الضعيف، وعلى صاحب السلطة قبل التابع. حلمتُ بأن القهاوي غدت خالية، بعد أن تمَّ توفير وظائف ملائمة للشباب العاطل، تقوم على الكفاءات وليس على كروت الواسطات. حلمتُ بأن مناهج التعليم قد تغيّرت وأصبحت مواكبة لروح العصر، وأنها بدأت في تخريج أجيال واعية، قادرة على إدارة مستقبل بلادها. حلمتُ بأن الفقر قد غدا من مخلَّفات الماضي، وأن كل فرد بات ينهل من خيرات بلاده، بعد أن تمَّ تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية. حلمتُ بأن المرأة، استعادت مكانتها التي كانت عليها في عصور الإسلام الزاهية، وأنها أصبحت متساوية مع الرجل في الفرص الوظيفية، وأنها صارت تُشاركه في الحياة السياسية، وتناصفه في مقاعد المجالس البرلمانية. حلمتُ بأن الصناعات المحلية، والمنتجات الوطنية، قد ازدهرت في بلداننا العربية، وأنها غدت تنافس البضائع الغربية من حيث الجودة والوفرة. حلمتُ بأن أرضنا قد خلت من التلوّث البيئي، وأن شوارعنا أضحت مرصوفة بعناية، وأرصفتها مزدانة بالأشجار المغروسة على جانبيها. حلمتُ بأن التطرّف قد صار من مخلفات الماضي، وأن المساجد صارت معمّرة بأصوات رجال دين معتدلين في أفكارهم، يُطالبون بالأخذ من الغرب ما يفيد مجتمعاتنا، ويُشجعون الناس على فتح حوار مع الآخر أياً كان مذهبه ودينه.
 
أخذت صديقتي تهزني، وعادت تلحُّ عليَّ.. لمَ لمْ تجيبي على سؤالي!! قلت بأسى.. هل تريدين الصراحة!! السلام ليس قرعة جرس، تحثُّ الناس على إلقاء التحية له. السلام الحقيقي ما زال بعيد المنال، لن يتحقق بجرة قلم، ولا بكتابة نوتة موسيقية يتغنّى بها التلاميذ في أنشودة الصباح. السلام يجب أن يزرع في نفوس مطمئنة، استطاعت التحرر من نير الظلم، والفقر، والاستعباد. السلام لا يمكن أن يحيا في أرض تتنفس على روائح الدم، وتسير منكسة على خيبات أحلامها، وتنام على أنّات الحزانى. السلام يعني أن يحس الإنسان بكرامته تمشي أبيّة على الأرض دون أن يوقفها شرطي مرور، يقول لها بلهجة متعالية.. أنتِ موقوفة.!