الفقر وقضية المصير

الفقر وقضية المصير

الفقر وقضية المصير

الجمعة 20/10/2006

 
لن أردد المقولة الشهيرة للإمام علي بن أبي طالب، “لو كان الفقر رجلاً لقتلته”، فهذا يعني أن كل فرد على الأرض يجب أن يحمل سلاحاً، ويجوب البراري والقفار، ويمشي في الطرقات، لكي يغتال بوضح النهار هذا الشبح المخيف، الذي كان سبب وبال أسر كثيرة، بعد أن غدا ضيفاً ثقيلاً يفرض نفسه على الكثير من البيوت العربية، التي لم تعد تستثنى منها الخليجية أيضاً في السنوات الأخيرة، على الرغم من الشدو بنبرات عالية بالخيرات التي يتمرّغ فيها المواطن الخليجي، نتيجة للذهب الأسود المتمثل في آبار النفط التي تملكها بلاده.
أحيى العالم، اليوم العالمي لمكافحة الفقر الذي حددته هيئة الأمم المتحدة، وتسعى المنظمات والهيئات الدولية لمد يد العون لفقراء العالم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه.. كيف يمكن جز آفة الفقر دون محاربة مسبباته؟! فالفقر ليس نتاج أفراد، وإنما هو نتاج حكومات فاسدة، وأنظمة ديكتاتورية، وتردّي الوضع الأمني نتيجة حتمية لمسلسل الحروب الأهلية، والنزاعات المسلحة.
 
جميل أن تمنح لجنة التحكيم في أكاديمية نوبل، المصرفي البنغالي “محمد يونس” جائزة نوبل للسلام تقديراً لجهوده في تأسيس مصرف “غرامين”، من أجل خلق فرص للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلاده بنغلادش، من خلال قيامه بمنح قروض صغيرة للفقراء وعلى الأخص النساء، قائلاً إنه سيستخدم أموال الجائزة للبحث عن سبل أخرى لدعم الفقراء في التخلّص من الفقر.
 
تُرى كم من نوعيّة محمد يونس في بلداننا العربية؟! وكم على شاكلته في بلداننا الخليجية تحديدا! لن أتفاخر بما هو ليس شائعاً، ولن أفتح عيني على آخرهما متباهية برجال الأعمال العرب، الذين يضعون أذناً من طين، وأذنا من عجين، في مد يد العون لآلاف من الشباب العاطل، الباحث عن فرصة ليبدأ حياته العملية. للأسف الذين على شاكلة هذا الرجل قلة، إلى درجة أن المرء لا يستطيع أن يراهم بالعين المجردة، بل يحتاج إلى مجهر لكي يتغنّى بإنجازاتهم.
 
لن أتحدّث عن الدور المخزي للبنوك العربية، في قدرتها الماهرة على استنزاف جيوب المواطنين محدودي الدخل. ولا عن إعطاء ظهورها للشباب، والتقاعس عن مساعدتهم، وتجاهلها دعم مشاريعهم الصغيرة في مواجهة مارد البطالة.
 
ولن أتحدّث عن الحكومات الفاسدة، والسرقات التي تحدث في وضح النهار، على يد كبار المسؤولين، حتّى أصبح المثل الدارج “حاميها حراميها” ينطبق على الكثير منهم في بلداننا العربية والخليجية، إلى أن صار كل واحد يصل لمنصب قيادي، جلُّ همه الغرف من خزينة الدولة، وتأمين مستقبل آمن لأسرته قبل أن تدور الدائرة عليه.
 
ولن أتحدّث عن بلداننا الخليجية تحديداً، التي بدأت تستشري فيها البطالة، وقلة حيلة الشباب وهروبه إلى مقاهي الإنترنت، ينفثُ خيباته أمام شاشة الكمبيوتر، هارباً من انتكاساته بالدردشة من جهة مع فتيات قتلهن الفراغ العاطفي، والوضع الاجتماعي المزدوج المعايير، ومن جهة أخرى تبني أفكار متطرفة، عبر الكثير من مواقع المنتديات المنتشرة بكثرة على الإنترنت.
 
ولن أتحدّث عن العدالة اجتماعية، التي أصبحت في خبر كان، وغدت حكاية خيالية من حكايات سندباد البحري الذي تغلَّب على وحش البحر، وأرسى الأمن، ونشر العدالة على الأرض.
 
إن الفقر ليس قضية أفراد، أو مجرد حسنة محصورة لمن يقول “لله يا محسنين”، إنها قضية الإنسانية جمعاء، ومن حق كل إنسان أن يذوق طعم آدميته على الأرض، التي أصبحت تئن من قسوة الإنسان على أخيه الإنسان.!