عرب 48 في فيلم “نورما مُـرقص”

عرب 48 في فيلم “نورما مُـرقص”

عرب 48 في فيلم “نورما مُـرقص”

الجمعة 29/12/2006

 
نورما مُرقص، مخرجة فلسطينية تعيش في فرنسا وتحمل جواز سفر فرنسياً، وقد تضمّن برنامج الندوة الدولية لنصرة النساء الفلسطينيات، التي أقيمت مؤخراً في العاصمة الجزائر، عرضاً للفيلم الذي قامت بإنتاجه وإخراجه، مبينة من خلال أحداثه ما يتعرّض له عرب 48 من تمييز عنصري فاضح من قبل دولة إسرائيل، التي تتشدّق ليلاً ونهاراً بأنها تُطبّق الديمقراطية على أرضها، وبين أفراد شعبها بمختلف شرائحه وأعراقه.
 
يُظهر الفيلم في بدايته تعرّض المخرجة للتمييز العنصري، حين قدمت إلى إسرائيل لزيارة أهلها، فتمَّ احتجازها في مطار بن جوريون بجوازها الفرنسي، وسبب هذا الإجراء المتعسِّف يعود إلى أصولها الفلسطينية التي دفعت السلطات الإسرائيلية إلى استجوابها على مدى يومين، ثم سُمح لها بالذهاب إلى مسقط رأسها مدينة بيت لحم، على أن يتم تحديد إقامتها، ومنعها من التنقّل لعدة أسابيع، قامت أثناءها المخرجة بالاتصال بكافة المنظمات الإنسانية العالمية، ووزارة الخارجية الفرنسية، وبعض المحامين الفرنسيين، لاستنكار هذا التصرف اللاإنساني، وغير القانوني.
 
هذا الفيلم تمّ عرضه أمام مئات من الأشخاص الممثلين لنقابات ومنظمات حقوقية مدنية، وعلى الرغم من التقنية البسيطة التي استخدمتها نورما لإخراج الفيلم، إلا أنه يجب التماس العذر لها، كونها صوّرته في أجواء صعبة. هذا الفيلم تكمن أهميته من وجهة نظري، في أنه دعم بالصوت والصورة، مهمة فضح العنصرية العفنة التي تُطبقها السلطات الإسرائيلية على فلسطينيي عرب 48 ممن يعيشون داخل دولة إسرائيل، وعلى الذين يقدمون إليها لزيارة أهاليهم، وإن كانوا يحملون جنسيات أخرى! ومن ناحية أخرى، يبرز الفيلم الجانب النفسي للطفل الفلسطيني، من خلال حوار المخرجة مع ابنة أختها “يارا”، والقيام بتصوير جانب من حياتها اليومية داخل إسرائيل.
 
استوقفتني عبارة جميلة قالتها الطفلة “يارا” لخالتها المخرجة.. لا أعرف لمَ يضع الإسرائيليون كل هذه الحواجز؟! ولماذا يجب أخذ تصريح لزيارة أقربائنا في الضفة الغربية وقطاع غزة؟! كانت عيناها الخضراوين تنضحان بألف سؤال وسؤال، وعقلها الصغير عاجزاً عن وضع تفسيرات مقنعة لكل ما يجري حولها. لقد دمعت عيناي وأنا أراها تبتسم أمام الكاميرا قائلة.. الدنيا حلوة. تمنيتُ وقتها أن تكون أمامي لأضمها وأقول لها: نعم الحياة جميلة إذا عشنا فيها بسلام ووئام. فليس هناك أقسى من أن يرى المرء، البراءة تُغتال في مهدها!
 
لقد اقترحت المناضلة الفلسطينية ليلى خالد، في كلمتها التي ألقتها في ندوة الجزائر، أن تُقام ندوة خاصة يتم فيها إحضار أطفال فلسطينيين، يتحدثون عن معاناتهم، والضغوط النفسية التي يتعرضون لها تحت نير الاحتلال، مطالبةً بمشاركة اليونيسيف لمعاينة أوضاع الأطفال الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
 
هذا الاقتراح الذي أيده الكثير من الحضور، يستلزم متابعة جادة. ولنعد بالذاكرة إلى الوراء، ونسترجع صورة الشهيد محمد الدرة، الذي حرّك ضمير العالم بمشهد مقتله. وهو ما يدعوني إلى المطالبة بوجوب القيام بحملة توعية في العالم بأسره، يُشارك فيها إعلاميون ومفكرون وسياسيون، يتحدثون بالأدلة والبراهين عن معاناة الفلسطينيين في الداخل، وألا تكون مقتصرة فقط على قطاع غزة والضفة الغربية، بل يجب أن تضمَّ عرب 48 من الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، الذين باتوا يعيشون في ظل تجاهل إعلامي لقضيتهم، ويتعرضون لسياسة التجويع من أجل الضغط عليهم لمغادرة إسرائيل، فأصبحوا للأسف يقفون على حبْل معلّق في الفضاء، لا يملكون القدرة على المشي فوقه حتّى لا يسقطوا، وفي نفس الوقت لا حيلة لديهم للوصول إلى درب السلامة.