هل نفدت قضايانا؟!

هل نفدت قضايانا؟!

هل نفدت قضايانا؟!

الجمعة 16/3/2007

 
أنا حائرة في تفسير ما أسمعه بأذنيَّ، وما ألاحقه بناظريَّ، حول تفشِّي ظاهرة استضافة شيوخ دين في قنوات معروفة، حتّى بات المرء يعتقد من تفاقم هذه النوعية من البرامج، أنه يتفرّج على قنوات دينية متخصصة! هذه البرامج التي جلّها على الهواء مباشرة، ترسم علامة استفهام كبرى حول مدى تعطّش الناس لسماع فتاوى تدور حول محاور حياتهم، علماً بان أكثرية الأسئلة التي يطرحها المشاهدون، مكررة في معظم الحلقات، وموجودة أجوبتها في كافة الكتب الفقهية المدرسية، وتتصدّر عناوينها المثيرة واجهات مكتباتنا!.
 
قرأتُ على الإنترنت مقالاً لفت انتباهي للكاتب أحمد أبو مطر، يتحدّث فيه عن شيوع ظاهرة الفتاوى في العقود الأخيرة في المجتمعات العربية والإسلامية، وكيف أصبح المشايخ وعلماء الدين يُحرمون سلوكيات كثيرة من باب سد الذرائع، متسائلاً في نهاية مقاله.. ماذا بقي في حياة المسلم حلالاً؟! معطياً أمثلة في قائمة طويلة، كتحريم الدروس الخصوصية، وتحريم لعبة كرة القدم، وغيرها من الفتاوى التي تدخل في صميم حياة المسلم اليومية!.
 
الكاتب خليل علي أحمد، تطرّق لنفس الموضوع من جهة أخرى في مقاله المعنون “صحوة دينية.. أم فكر عقيم؟!” متسائلاً عن أهم الأسباب التي أعاقت التيارات الإسلامية، عن إخراج عمالقة من أمثال العقاد وطه حسين، أو روائي مثل نجيب محفوظ، أو مبدع مثل جبران خليل جبران، على الرغم من تمتّع هذه الجماعات بوفرة مالية، وبأرضية فكرية قوية، داخل بنية المجتمعات العربية والإسلامية.
بالتأكيد رواج ثقافة الفتاوى الدينية التي يميل بعضها إلى حد التطرّف، ساهم إلى حد كبير في خلق تربة خصبة لنماء بذور التعصّب الفكري، وأدّى كذلك إلى النظر بريبة إلى كتب الفكر والفن والثقافة على اختلاف توجهاتها من منطلق أنها تناقض تعاليم الإسلام، مما دفع بعض الفئات المتعصبة إلى وضع خطوط حمراء تحت بعض الأسماء التي تُنادي بتنوير العقل، وتحريره من قيود الجمود.
كيف يمكن بناء مجتمعات سوية، تؤمن بمبدأ تحقيق الموازنة المطلوبة بين الدين والدنيا، على أرض الواقع داخل المجتمعات، في ظل سيطرة جماعات إسلامية تنظر بحذر شديد لطبقة المثقفين، وتُشكك في كل إنجاز علمي، وإبداع فكري وفني، واضعة إياه في قالب من الحُرمانيّة؟!.
 
جميل أن تتحصَّن الأجيال الجديدة بتعاليم دينها، لكن هذا لا يجب أن يكون على حساب رفض التجديد، ونبذ الابتكار، وتدجين سلوكيات الأفراد داخل المجتمعات، وإطلاق سلسلة لا نهاية لها من الفتاوى التحريضيّة!.
 
مؤخراً، عادت إلى السطح أعمال إرهابية في أجزاء متفرقة من العالمين العربي والإسلامي، وهو ما يدفع إلى نفس السؤال المتكرر.. ألم يحن الوقت لأن يقوم علماؤنا الأفاضل المعتدلون بمختلف مذاهبهم، بالمشاركة مع المفكرين والمثقفين المعروفين بنزاهتهم، بالسعي لإقامة نهج فكري متطور، يقوم على أسس عقلانية؟! والدعوة بنية صافية إلى الحوار البنّاء، وإلى احترام العلماء وإنجازاتهم بصرف النظر عن انتماءاتهم العقائدية أو المذهبية، في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل؟! ألم يئن الأوان لأن يُزيح علماؤنا المتحجِّرة عقولهم، غشاوة التزمُّت عن أعينهم، وينظروا إلى ديننا الإسلامي على أنه دين قادر على التطوير مع متطلبات العصر الحالي، وليس ديناً غارقاً في بحر من الجمود؟! يوم تؤمن التيارات الإسلامية بهذه المسلمات سنُودِّع الإرهاب إلى الأبد، وسيجد الفن والإبداع والثقافة على اختلافها، أرضاً يانعة للنماء، ولا تحتاج إلى جُب تختبئ فيه، حتّى لا تقتصَّ منها أيدٍ متطرفة بحجة الحفاظ على مجتمعاتنا من الخراب!!.