المال والصناعة الإعلامية

المال والصناعة الإعلامية

المال والصناعة الإعلامية

الجمعة 29/4/2007

 
من الذي يُشكّل السلطة الرابعة، المتمثلة في الإعلام بقنواته المتباينة؟ هل هي الحكومات، أم أصحاب رؤوس الأموال؟ من يُدير من؟! هل القنوات الإعلامية ببرامجها، هي التي توجه فكر الأفراد داخل المجتمعات، أم أصحاب رؤوس الأموال، هم الذين يُخضعون هذه القنوات لتوجهاتهم؟! أم أن الأنظمة العربية هي القائد الفعلي، الذي يُدير دفة الأمور لصالحه، من خلف الكواليس؟!.
 
في ندوة “تأثير رأس المال على الصناعة الإعلامية” ضمن فعاليات الملتقى الإعلامي الرابع بالعاصمة الأردنية عمّان، التي أدارها الإعلامي المعروف بخفة ظله “جورج قرداحي”، كان ضمن المشاركين المهندس “نجيب ساويرس” الذي يُعد أبرز رجال الأعمال المصريين.
 
تحدّث “ساويرس” عن القنوات الفضائية، وكيف أنها على الرغم من استقلاليتها المادية، إلا أن هناك خطوطاً حمراء لا تستطيع أي قناة تخطيها، وإلا تعرضت لضغوطات رسمية، وحرب خفية، إلى أن ترجع عن غيّها!.
 
بالتأكيد ما قاله رجل الأعمال “ساويرس” يعد حقيقة ثابتة لا تخفى على أحد، بدليل أنه لا تُوجد في عالمنا العربي إلى اليوم قناة على شاكلة “سي. إن. إن” واحدة، تبث الأخبار، وتنقل الوقائع بحرية مطلقة، وتملك الحق في انتقاد أعلى سلطة في البلاد، دون أن يُصيبها رذاذ من التقريع، أو تتعرض للتهديد!وهذا يعني أن سقف حرية التعبير يقف عند نقطة معينة من الصعب اختراقها، وبالتالي يظل هاجس الحرية مطلباً ملحاً لكافة الشعوب العربية، خاصة وأن الأجيال الجديدة من الجنسين، التي شبّت على الإنترنت، و”الستالايت”، وعلى كافة أبواب المعرفة المُشرعة أمامها، غدت أكثر وعياً بحقوقها.

من المعلوم أن هناك قنوات فضائية كثيرة، تسعى للكسب السريع، من خلال التركيز على برامج غثة وسطحية لجذب أكبر قدر من الجمهور العربي الذي جلّه يعد شبابيّاً. إضافة إلى تركيز بعض القنوات الفضائية الجديدة على برامج متخصصة في هتك حيوات المشاهير من فنانين وفنانات، ومن أبطال الرياضة، مستغلين شبق الأجيال الصاعدة لمعرفة كل تفاصيل الحياة اليومية لنجومهم المفضلين.
 
توجهت بسؤال إلى المشاركين في الندوة، أين القنوات الفضائية عن الإعلام الفضائحي؟! وقصدتُ بسؤالي المناطق المحرمة المحظور على الإعلاميين الاقتراب منها، المتمثلة في نزع النقاب عن قضايا الفساد وما أكثرها في عالمنا العربي، وعن قائمة المتورطين فيها! قصدتُ بالإعلام الفضائحي، السجون والمعتقلات العربية، التي تفوقت في أساليب تعذيب السجناء، سجن “أبوغريب”، ومعتقل جوانتانامو، مع هذا يتم التعامل معها من منطلق لا أرى لا أسمع لا أتكلّم! قصدتُ بالإعلام الفضائحي، التحدّث بشفافية عن السلبيات الكثيرة التي تغصُّ بها مجتمعاتنا العربية، مثل اغتصاب المحارم، وتفشّي دعارة الرقيق الأبيض، وانتشار المخدرات بين الشباب الصاعد، وتأثير الفقر والبطالة على المدى البعيد في بنية المجتمعات العربية!.
 
للأسف لم يجد سؤالي آذاناً صاغية! أيقنتُ لحظتها بأن رجل الأعمال “ساويرس” قد صدق فيما قاله حول وجود سور متين مُحاط بالإعلام العربي من غير الممكن تجاوزه! وتساءلت في نفسي: كيف يمكن أن يكون الإعلام سلطة رابعة، وهو يُدير وجهه عن سلبيات مجتمعه؟! كيف سيُصبح دوره فاعلاً، وهو يدفن رأسه في الرمل، حتّى لا تلفحه شمس المساءلة، متفاديّاً ما قد يُسبب له من صداع مزمن؟!.
 
صحيح أن القنوات الفضائية خلصتنا من الإعلام الرسمي، الذي ما زال مستمراً في أداء دوره التقليدي، المتمثل بالنفخ في أبواق الحكومات، لكن هذا لا يعفي القنوات الفضائية من مسؤوليتها، في الصمود لشهر سيف الحقيقة على الملأ، كون مهمة الإعلام تنصبُّ في توعية الشعوب حول حقيقة ما يجري من حولها، وتنوير
 
عقلها، وإلا سيظل دور الإعلام الحر محدوداً، لا دور له سوى الرقص في الخفاء، تحت أجنحة الليل!.