اللعب فوق الجمرات!!

اللعب فوق الجمرات!!

اللعب فوق الجمرات!!

الأحد 3/6/2007

 
هناك مجموعة جميلة من أفلام الأبيض والأسود ما زالت تلقى اهتماماً واسعاً لدى المشاهدين، حيث تعرضها القنوات المصرية كل عام في ذكري ثورة 23 يوليو، مثل فيلم “رد قلبي” و”شروق وغروب” وغيرهما. ويُقال إن إنتاج هذه النوعية من الأفلام، يعود إلى الرئيس المصري جمال عبدالناصر، الذي أراد تخليد الثورة في أعمال فنية راقية. ولم يقتصر اهتمامه على هذا الجانب فقط، بل كان يحثُ الفنانين على إنتاج الأغاني الوطنية بكلمات تُلهب الجماهير العربية، وتُعزز شعارات القومية العربية، وتُمجّد روح المقاومة والبسالة. ولم تزدهر الأغاني الوطنية في عهد رئيس عربي كما ازدهرت في عهد هذا الرجل، وما زالت حية على رغم عقود مرت على ظهورها الأول، مثل أغاني عبدالحليم حافظ، وأم كلثوم، وأغنية “وطني حبيبي الوطن الأكبر”، التي لحنها الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب.
 
أثناء وبعد حرب إسرائيل الأخيرة على لبنان، أطلق عدد من الفنانين العرب، أغانٍ وطنية تُعبّر عن أحزانهم لما وقع في الجنوب اللبناني، لكنها كانت أغانٍ هشة، وقتية، سرعان ما ذوت مع زوال الحدث الأليم، مثل فقاعات غليان الماء التي تتلاشى لحظة ابتعاد النار عنها، بمعنى أدق، أنها أغانٍ لم تُخلق لكي تصمد وتتناقلها الأجيال، كما هو حاصل مع أغاني الفنانين القدامى.
سُئل الفنان هاني شاكر في لقاء معه عن سبب ندرة الأغنية الوطنية اليوم مقارنة بالخمسينيات والستينيات، فأجاب بأن الأغنية الوطنية اليوم أصبحت مرتبطة بقرار سياسي، وألا حيز لها اليوم في القنوات الفضائية على كثرتها! فهل هذا يعني أن الفن أصبح مقيداً نتيجة للمناخ السياسي القاتم الذي تحيا فيه المجتمعات العربية، والذي انعكس تلقائياً على مزاج الفنان، وجعله يُدير ظهره لما يجري في عالمه العربي؟! أم أنها ذريعة واهية يلقيها الفنان هنا وهناك، لكي يُبرر تقاعسه عن توضيح مواقفه من خلال فن راقٍ خالد؟!.
في مهرجان “كان” السينمائي الأخير، خطف فيلمان وثائقيان الأضواء، الأول للمخرج الأميركي “مايكل مور” الذي نال فيلمه “فهرنهايت 11/9 ” عام 2004، جائزة “السعفة الذهبية”، مهاجماً من خلال فيلمه الوثائقي الجديد، النظام الصحي الأميركي، مبيناً معاناة خمسين مليون شخص في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يتم تهميشهم لعدم قدرتهم على دفع قيمة التأمينات. والفيلم الآخر للنجم “ليوناردو دي كابريو” الذي ساهم في إنتاجه “الساعة الحادية عشرة”، ملقياً الضوء على المخاطر التي تُهدد البيئة، وكوكب الأرض المهدد بسبب الاحتباس الحراري.
هذا المناخ الفني الصحي في أوروبا وأميركا، هل يعني أن الفنان هناك لديه الحرية المطلقة في تبنِّي مواقفه السياسية أو الاجتماعية والتعبير عنها من خلال أفلامه، أو من خلال أغانيه كما حدث مع كثير من المغنين والمغنيات العالميات؟! هل رسالة الفنان الحقيقية، تنصب في تنوير الناس عن طريق أعماله، أم أن الفنان الحقيقي هو ذلك الذي يخدم الفن من أجل الفن حتّى لا تتأثر نظرة جمهوره إليه، الذي بالتأكيد له مواقفه واتجاهاته المتباينة لما يجري في العالم؟!.
لنعترف بأننا نعيش لحظة مخاض صعبة، هذا المخاض نتج عنه نوع من البرود الشتوي تجاه الكثير من القضايا التي تغلي في ساحاتنا العربية، مما يستلزم من الفنان العربي التعبير عنها بوضوح. لكن على الجانب الآخر يجب أن نقول بصوت حاد النبرات إن الرقابة سيف حاد على رقاب الفنانين أيضاً، فهم لا يستطيعون اللعب فوق الجمرات وإلا حرقت بواطن أقدامهم دون شفقة أو رحمة. الفنان أيضاً عندما يقف في صفوف المواجهة قد تُصيبه رصاصة طائشة، وما أكثر الرصاصات التي تُقيّد ضد مجهول في عالمنا العربي!.