لمن نُوجّه إصبع الاتهام؟!

لمن نُوجّه إصبع الاتهام؟!

لمن نُوجّه إصبع الاتهام؟!

الأحد 26/8/2007

 
لماذا شاعت في عالمنا العربي خلال العقود الأخيرة، ظاهرة التطرّف والغلو؟! هل ما يحدث اليوم رد فعل طبيعي لما تجرّعه الأفراد على مدى سنوات طويلة، من أفكار شاطحة ومفاهيم خاطئة وفتاوى ضالة؟! لمن نُقيم منصة المحاكمة؟! للمؤسسات التربوية المتمثلة في البيت والمدرسة والجامعة، أم لطبقة المثقفين على اختلاف تخصصاتهم وتباين توجهاتهم؟! ألم يُساهم بعضهم بالفعل في نشوء أفراد متعصبين فكرياً، من خلال بث سموم أفكارهم وتبني كثير من شرائح المجتمع لمعتقداتهم؟! إلى متى ستقف المجتمعات العربية وقفة المتفرّج الصامت على ما يقع من مصائب في بلدانها؟!.
 
لكن هل نتحمّل وحدنا وزر ارتفاع حرارة التطرّف، وتصاعد موجة الغلو في العالم بأسره؟! أرفض التلويح بعصا التأديب طوال الوقت في وجه مجتمعاتنا العربية، لكون الغرب هو الآخر متورطاً في دعم هذه الجريمة النكراء بل وفي الترويج للعنصرية ضد العرب والمسلمين من خلال قنواته الإعلامية وفنونه ومؤسساته التعليمية!.
 
أتذكّر أنني قرأتُ منذ فترة كتاب (التربية الخاطئة للغرب… كيف يشوه الإعلام الغربي صورة الإسلام والمسلمين) وقد أعدته الكاتبة الأميركية اليهودية “شيرلي شتاينبرغ” مع “جو كينشلو”. كتبت فيه “شيرلي” فصلاً كاملاً عن دور بعض المناهج الأميركية في تشويه صورة العرب والمسلمين، وتعترف بأنه من السهل في الغرب كراهيتهم، ضاربة المثل بـ”ماكفاي”، الذي قام بتفجير مبنى أوكلاهوما، وأنه على الرغم من كونه أميركياً إلا أن الشعب الأميركي صبَّ جام غضبه على شخص “ماكفاي”، ولم يُلقِ اللوم على ثقافته الأميركية التي جاء منها، معلنة بصراحة أن الثقافة الشعبية هي في الواقع منهاج صريح ومؤثر، وأن اليهودية قائمة على الهواجس والوساوس وعلى ما يمكن بيعه!.
 
وليس هذا فحسب، بل بين حين وآخر يقفز خبر أو يُبَثُّ رأي في الإعلام الغربي يُثير حفيظة العرب والمسلمين، وكان آخرها مطالبة نائب “يميني” متطرف في البرلمان الهولندي بوجوب حظر القرآن، مرتكزاً في دعواه بأن المسلمين جميعهم متطرفون، وأن القرآن كتاب فاشي يحضُّ على قتل غير المسلمين واغتصاب النساء وإقامة الدولة الإسلامية بالإكراه وسفك الدماء!.
 
قد يعترض البعض على كلامي ويقول: انظري إلى الخطوة الإيجابية التي اعتمدتها وزيرة التربية الإسرائيلية بتدريس كتاب تاريخي للطلبة العرب بالصف الثالث الابتدائي، تعترف فيه إسرائيل ولأول مرة بأن قيام الدولة العبرية شكّل مأساة كبرى للشعب الفلسطيني، وهو ما أدّى إلى نزوح ما يُقارب 900 ألف فلسطيني إلى دول عربية أخرى مستخدمة مصطلح (النكبة) لأول مرة!.
 
لم ينتبه الذين صفقوا لهذا القرار، أن الكتاب سيدرّس فقط للطلبة العرب، في الوقت الذي سيتم الاحتفاظ بالرواية الإسرائيلية التي تصوّر حرب 48 على أنها “حرب الاستقلال” للطلبة اليهود! تباين الروايتين سيعزز من وجهة نظري نظرة العداء تجاه الفلسطينيين من قبل الأجيال الإسرائيلية الصاعدة، وفي تنامي العنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي!.
 
هل المناهج التعليمية في مضمونها تلقين أم توجيه؟! بلا شك إنها قضية خطيرة، فالعقول عندما تكون لينة من السهل غرس أي نبتة في تربتها! لذا فإشاعة فكر التسامح والحوار العقلاني والتعايش المشترك، تمر من داخل البيوت، ومن قاعات الدراسة، وما تخطه أقلام المثقفين، وما تبثه القنوات الإعلامية، وهي مسؤولية تستلزم مشاركة كافة الأطراف فيها. وقد استوعبت حكومة غوردن براون الدرس جيداً. فبعد أن أثبتت التحقيقات تورّط شباب مسلم من المولودين ببريطانيا في حوادث الإرهاب الأخيرة، وافقت على تدريس منهج جديد يتضمن محتواه علوم المواطنة الحسنة، لتشجيع أبناء المسلمين على الاندماج في المجتمع البريطاني.
 
لي صديقة متعلمة تعليماً عالياً، مع هذا تمنع بناتها من استخدام الإنترنت خوفاً عليهن من الانحلال الخلقي! وتسمح لأولادها الذكور الذين ما زالوا في بداية مراهقتهم، بالتحكّم في أخواتهم البنات اللواتي تخرجن من الجامعات ويعملن. وتردد في المجالس أنها فخورة بأبنائها الذين يضعون تعليمات صارمة بدءاً من الرقابة على الكتب حتّى لا تؤثر على أخواتهم البنات وانتهاء بمنعهم دخول القنوات الفضائية إلى البيت، معتبرة أن تصرفات أبنائها تنم عن رجولة ولا تنطوي على بوادر تطرّف!.
 
بالله عليكم كيف نتفاءل بالغد، والبراعم الصاعدة ترضع من أثداء أمهاتهن كل ما يروّج للتعصّب، ويؤدي إلى تحجّر العقل؟ صحيح كل إناء بما فيه ينضح!.