تخليد المبدع… كيف وأين؟!

تخليد المبدع… كيف وأين؟!

تخليد المبدع… كيف وأين؟!

الأحد 2/9/2007

 
في كل أرجاء العالم هناك أشخاص أحدثوا بإبداعاتهم ثوراتٍ فكريةً داخل مجتمعاتهم، وقلبوا الكثير من المفاهيم المتوارثة فيها. لماذا يُوجد مبدعون يتعرضون للقتل أو التعذيب أو الإقصاء في حياتهم، وحين يرحلون عن الدنيا تبقى أقلامهم متوهجة في بنية مجتمعاتهم تتوارثها الأجيال؟! ما الذي يُميّز المبدع عن غيره؟! هل في صدق ونزاهة ما يُقدمه، أم في قدرته على تجسيد وقائع مجتمعه على الورق؟! هل للمجتمعات المتحضرة أدوار مهمة في تخليد مبدعيها من كُتّاب ومفكرين وأدباء؟!.
 
عام مضى على رحيل الأديب النوبلي نجيب محفوظ الذي عاش حياة عامرة قاربت على القرن. وقد عاصر هذا الرجل حِقَباً متعددة، وشهد تحولاتٍ سياسيةً خطيرةً انعكست على كتاباته، وكانت له آراؤه الخاصة التي وافقه البعض عليها وعارضه فيها البعض الآخر. لكن تباين وجهات النظر حول مواقفه لم يهز مكانة هذا الأديب صاحب القامة الفارعة أدبيّاً. ولو سُئل أي أديب سلك درب الرواية وجعلها هدفه الاستثنائي عن تأثير هذا الأديب في بداياته، لأجاب بلا تردد أن نتاج محفوظ الأدبي ساهم في إثراء ثقافته، من خلال رصد محفوظ في قصصه ورواياته للكثير من المشاهد الاجتماعية والسياسية في مصر.
 
الأديب نجيب محفوظ يُعتبر العربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل للآداب على الرغم من أن العديد من الأدباء العرب سعوا باستماتة لينالوها، لكن لم يُوفّق الحظ أحدهم من بعده. وقد ظلَّ هذا الأديب محور اهتمام الأوساط الأدبية والفكرية حتّى آخر يوم في حياته، بل وتأسست جائزة باسمه. لكن السؤال المصبوغ بالفضول الذي يُطرح بين حين وآخر.. هل كان سيحظى نجيب محفوظ بنفس المكانة والاهتمام لو لم يحصل على جائزة نوبل للآداب؟! هل الرعاية الرسمية التي أُحيط بها حتّى وفاته، نابعة من عقدة “الخواجا” الكامنة في أعماق كل فرد عربي، تجاه من ينال تكريماً غربيّاً كما تردد ألسنة بعض الخبثاء؟!.
 
في تراثنا الفكري لدينا مفكر فذ يُدعى “ابن خلدون”، كتب مقدمته المهمة التي يعود لها الفضل في تأسيس الكثير من الأطروحات التي انبثقت منها لاحقاً النظريات الغربية، بل إن بعض المفكرين يرون أن “ابن خلدون” يُضاهي قامة المفكر الغربي “هيجل”. لكن المؤسف أن “ابن خلدون” لم تلتفت الأوساط الثقافية العربية لنتاجه الفكري المتميّز إلا بعد أن اهتمّ الغرب به وأقروا بالثروة الفكرية التي تركها هذا الرجل خلفه!!.
 
تُرى كم من المبدعين الذين قدموا الكثير لمجتمعاتهم، حظوا بنظرة احترام وتقدير في أوطانهم؟! هل يجب على كل مبدع عربي أن يهرول صوب الغرب طامعاً في نيل شهادة أو وسام أو جائزة، لكي يُثبت لقومه أنه مبدع لا غبار عليه؟! هل ملزم أن يحظى بمسحة مباركة غربية على رأسه لكي تنبهر العيون بإبداعاته؟!.
 
بعث لي مرة قارئ برسالة على بريدي الإلكتروني، يقول فيها.. أنتم معشر الأدباء رجالاً ونساء نرجسيون، تختارون العيش في أبراج عاجية، تعتقدون بأنكم تتميزون عن بقية خلق الله، وأنكم تأتون بما لم يأتِِ به الأوائل! لا يدري هذا القارئ ومن على شاكلته أن المبدع يتنفّس من تواصل قرّائه معه، وأن كلمات الإعجاب تجاه ما يُسطره على الورق هي التي تنعش روحه. فالأديب العربي خاصة يعمل في أجواء قاتمة، وهناك عيون ترصد حركاته طوال الوقت، وتقوم بمصادرة نتاجه دون تبريرات منطقية، ويُسب ويُشتم في المنتديات بسبب ومن دون سبب، ويُهاجم على صفحات الجرائد علناً من قبل بعض الصحفيين المرتزقة، بل وأحيانا يُتهم نتاجه الأدبي بالزندقة والخروج من عباءة الدين!.
 
إبان عصور الحكم العثماني، كانت ألقاب الباشاوية والباكوية تُمنح من الباب العالي في إسطنبول، واليوم تحقيق المكانة الأدبية العالية لابد أن يمر من الطرقات الغربية رغم أن الكثير من المثقفين يعلمون علم اليقين أن الجوائز التي ينالها المبدعون العرب ليست جميعها جوائز صافية النية! فهناك مؤسسات مشبوهة تتعمّد تقديم جوائزها لمن يُكيل السباب لمجتمعه، أو يُهاجم دينه، أو يصبّ جام غضبه على كل ما هو عروبي! لكن هذا لا يعني انتفاء وجود جوائز حسنة النية تُمنح لمن تتوسم في نتاجه الجمال الإبداعي الخلاّق.
 
المبدعون الحقيقيون مثل الأشجار الخضراء المتفرعة منها غصون يانعة، وكم جميل أن ترعاها أوطانها بشق مجرى الأنهار من حولها لتظل مورقة، فهدفها في نهاية الأمر تظليل العقول التي أعاقت تقدمها ضربات الشمس القاتلة!.