أجيال في مهب الريح!

أجيال في مهب الريح!

أجيال في مهب الريح!

الأحد 30/9/2007

 
تُخصص الصحف العربية صفحات رأي يومية لكبار الكُتّاب والأدباء والمفكرين، يُعلنون فيها عن مواقفهم تجاه قضايا مجتمعاتهم. لكن السؤال الذي يطرح نفسه.هل مهمة هؤلاء تنتهي بإفراغ مداد أقلامهم على الورق؟! ماذا عن الأجيال الصاعدة؟! هل أخذ الكُتّاب والمفكرون والأدباء على عاتقهم حمايتهم، من خلال حفر أنفاق آمنة لهم بأسنة أقلامهم، تحميهم من زمهرير الشتاء، وقيظ الحر، والزلازل المفاجئة، والحمم البركانية القاتلة؟! هل هم يقومون فعليّاً بتنقية عقول البراعم الجديدة من آفات التطرّف، ومداواتها من عفونة العنف؟! ماذا عن المقولات التي يرددها بعضهم بأن الكاتب والأديب والمفكر العربي يعيش في معزل عن قضايا مجتمعه، أم أنه مُفترى عليه كونه لا حول له ولا قوة، نتيجة المناخ الثقافي العام الذي تُسيطر عليه السلطة السياسية، مما يُشعره أنه مُكبّل اليدين، ينفخ في قربة مثقوبة وأن لا حياة لما يُنادي به؟!.
 
من الصعب سكب إبريق الملامة بأكمله على رؤوس الكتّاب والأدباء والمفكرين، وأنهم المتسببون في تراجع مكانة الثقافة في مجتمعاتنا العربية، فهناك عوامل أخرى أدّت إلى انتكاستها! ومن المعروف أن الغناء في الخلاء يتبعثر صداه مع صوت الرياح العاتية، وأن اختفاء الزعيم القدوة عزز من رواج الثقافة السطحية والهشة بين الأجيال الصاعدة!.
 
قبل أن يتهمني بعضهم بأنني أروّج للديكتاتورية حيث أنها تعني حصر الزعامة في فرد واحد! أود القول بأنني لم أقصد الزعامة السياسية التي يحتكرها شخص بعينه في أغلبية بلداننا العربية، وإنما قصدت الزعامة المرتبطة بكل إنسان يحمل في جعبته أفكاراً تنويرية، تُحرّك جمود مجتمعه وتدفعه نحو الأمام، كما فعل الشيخ رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده ومن بعدهما طه حسين والعقاد والرافعي وغيرهم من المفكرين والأدباء الذين عاصروا زمن النهضة، وكان لهم الفضل الأكبر في وضع لبنة المشروع النهضوي العربي.
 
في الآونة الأخيرة بدأ عدد من القنوات الفضائية في الاهتمام بتقديم برامج ثقافية هدفها إحياء اللغة العربية، وقد قامت قناة أبوظبي الفضائية ببث برنامج يدور محتواه حول انتخاب أمير للشعراء، وأشرفت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث على المسابقة من خلال تشكيل لجنة متخصصة.
 
أنا لستُ ضد هذه النوعية من البرامج الهادفة بل وأحُرّض عليها كون هدفها إحياء تراثنا الثقافي العربي، خاصة أنها تقف ثابتة في مواجهة برامج المسابقات الفنية التي يُصوّت لها ملايين المشاهدين يوميّا! ويكفي الفضيحة الإعلامية التي تم الإفصاح عنها مؤخرا بأن القارئ العربي لا يقرأ سوى نصف كتاب في السنة وباقي ساعاته يهدرها في التصويت للمسابقات الفنية!!.
 
بالتأكيد لا أحد يُريد أن يتجنّى على الأجيال الجديدة، كما لا يرغب بخس حقهم في نيل فرصهم، فهم أمل الغد، وضمان المستقبل لأوطانهم. لكن على الجانب الآخر من الخطأ غرس مفاهيم خاطئة في عقول الأجيال الجديدة. هذه الأجيال المظلومة التي تعيش أزمة فكر! أزمة واقع مزر في كل ما يُحيط بها! أزمة مناهج بالية أكل منها الدهر وشرب، وتعليم استهلاكي لا يتناسب مع تطورات العصر الحالي! وهو ما قد يُساهم على المدى البعيد في تفريخ أجيال على شاكلة تنابلة السلطان في حكايات ألف ليلة وليلة!.
 
كل جيل له أوانه، كما لكل زهور فصول تتفتّح فيها أوراقها! ولذا على الكتّاب والمفكرين والأدباء أن يأخذوا بأيدي الأجيال الجديدة ويدلوهم على الدروب الآمنة من الأخطار حتّى يصبحوا في المستقبل دروعاً واقية لمجتمعاتهم. إن الواجب يحتّم على هذه الفئة ألا تترك الأجيال الصاعدة تهيم على وجهها وحيدة في البراري والقفار، بل تدلهم على قنوات المعرفة الحقيقية.
 
هناك مثل صيني جميل “إذا أردتَ أن تزرع لسنة فازرع قمحاً… وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فأزرع شجرة… أما إذا أردت أن تزرع لمئة سنة فأزرع إنساناً”. والإنسانية تعني الكثير، من مشتقاتها رعاية أجيال الغد لتُصبح واعية، صلبة، لا تقتلعها ريح عاتية. تُرى هل خلق أجيال سويّة، مدركة لأبعاد مستقبلها، أضحى من المهمات المستحيلة في أوطاننا العربية؟!.