السعادة… واقع أم خيال؟!

السعادة… واقع أم خيال؟!

السعادة… واقع أم خيال؟!

الأحد 14/10/2007

 
جميع البشر بلا استثناء، الغني والفقير، الأعمى والبصير، الكهل والشاب، المرأة والرجل، يبحثون عن شيء إسمه السعادة. ومفهوم السعادة يختلف من إنسان لآخر، فهناك من يجد سعادته في تكوين أسرة صغيرة. وهناك من يجد سعادته في إرساء أحلامه على الأرض. وهناك من يرى سعادته في إثبات ذاته. وهناك من يجد سعادته في الوصول إلى الشهرة. وهناك من يجد سعادته في جمع الثروة. وهناك من يرى سعادته في راحة البال والقناعة بما كتبه الله له. وهناك من يجد سعادته في تقاسمه هموم الآخرين، ومشاركته أحزانهم. وهناك من يرى سعادته في العطاء مثل الأخذ تماماً. وهناك من يرى سعادته في راحة الضمير والتصالح مع النفس. وهناك من يعتقد بأن سعادته مرهونة بإيجاد شريك العمر والالتقاء برفيق الدرب.
 
قرأت خبراً عن قيام واحدة من المدارس في ألمانيا، بتدريس التلاميذ الذين لم يتجاوزوا فترة المراهقة، مادة رسمية عن كيفية تحقيق السعادة في حياتهم، يتعلمونها بجانب المواد الأخرى المقررة عليهم. هل هذا يعني بأن السعادة على الرغم من اختلاف مقاصدها بين الناس، من الممكن تجسيدها في قوالب معينة؟! هل السعادة تحتاج إلى تلقين، أم أنها فطرة بشرية؟! هل السعادة موجودة بالفعل أم أنها مجرد طيف يزورنا في منامنا؟!.
 
المفكّر الغربي “ديكارت” يرى بأن ليس ثمة سعادة أو شقاء في المطلق، وإنما تفكير الإنسان هو الذي يُشعره بأحدهما. بمعنى أدق يُريد أن يقول بأن السعادة بمعناها الشمولي صنيعة بشرية. وأن الإنسان وحده هو الذي يملك القدرة على إدارة مؤشر حياته نحو جهة التفاؤل أو نحو جهة التشاؤم. وهو وحده الذي يستطيع جعل أيامه مضاءة بشموع الفرحة، أو قاتمة معبأة بغيوم الكمد.
 
عبارة “ديكارت” من وجهة نظري يغلب عليها الصواب. فكم من أناس أهدروا أحلى سنوات عمرهم وهم يبحثون عن السعادة في كومة كبيرة من القش، وخرجوا من الحياة خالي الوفاض. وكم من أناس كانوا محظوظين عندما ألفوها راقدة في استرخاء تحت أوسدة مخادعهم، من دون أن يقوموا بأي مجهود يُذكر لجلبها. وكم من أناس أسعفهم الحظ في منتصف دربهم، وعثروا عليها قبل أن ينقضي عمرهم وهم ينقبون عنها بهوس !.
 
إن ترك هاجس البحث عن السعادة يُسيطر علينا، سيفضي بنا في نهاية الأمر إلى التعثّر في طريق الشقاء، كون السعادة والشقاء صفتين متلازمتين في الحياة. وكلما سيطر الإنسان على نفسه، وطرد طيف السعادة من فكره، وعاش يومه بحلوه ومره، ستهرع خلفه، وستصبح تحت أمره، وكلما فكّر في مطاردتها ومحاصرتها بإلحاح، بالتأكيد ستشيح بوجهها عنه.
 
إن السعادة الحقيقية تلك التي تنبع من أعماقنا، ولا تنتظر الإذن للمثول بين أيدينا، بل تتسرب بتلقائية من ثقوب أبوابنا، ومن فجوات نوافذنا من دون “إحم أو دستور”! السعادة الحقيقية لا تنتظر رجال شرطة أشداء، يجوبون البلاد من أقصاها إلى أدناها ليقبضوا عليها، ويسلموها لصاحبها مكبلة بالأغلال!.
 
يوم لا تبتسم فيه، يوم ضاع من عمرك، وستكتشف وأن تُمزّق صفحة تاريخ يوم من الروزنامة، أن هناك أياما طويلة أهدرتها في دنياك، وأنت قاعد متأسفاً على ماض جميل، أو ذكرى فلتت من بين أصابعك رغما عنك. تأكّد بأن العمر ليس في عدد السنوات التي تعيشها، وإنما في قدرتك على تذوّق الأشياء الجميلة من حولك.
 
إن الإنسان بطبعه طمّاع، كلما حصل على شيء بحث عن شيء غيره، لذا السعادة وقتية، تذوب مع تخمة الشبع، وجريان العمر، ودورة الأيام. ليس هناك أجمل من اقتناص لحظات السعادة التي ترتمي في أحضاننا من دون تخطيط أو تفكير أو حسابات مُسبقة. ألا يُقال في المثل الشعبي “ربَّ صدفة خير من ألف ميعاد”؟!.