الإنسان… المتهم الأول!!

الإنسان… المتهم الأول!!

الإنسان… المتهم الأول!!

#

 
لا أدري هل الإنسان هو المسكين، أم الأرض هي المسكينة! منذ أن تكوّنت البشرية من سلالة آدم وحواء على كوكب الأرض، وهي تئنُّ بخطايا البشر، التي يرتكبونها بقصد أحياناً، وبدون قصد أحياناً أخرى. لم يرحمها الصغير ولا الكبير، ولا الرجل ولا المرأة، ولهذا أجمع خبراء البيئة على أن الإنسان هو المتهم الأول والأخير في تدهور صحة الأرض في العقود الأخيرة.
 
وقد اجتمعت مؤخراً اللجنة البيئيّة الدولية المكونة من 2500 عالم من أكثر من 130 دولة في باريس، لمناقشة الأخطار التي تُهدد البيئة الطبيعية على الأرض، نتيجة للاحتباس الحراري الذي سيؤدي إلى حدوث المزيد من الكوارث مستقبلاً، مثل ارتفاع مستوى مياه البحار، وحدوث زلازل وفيضانات وعواصف قوية، إضافة إلى وقوع موجات جفاف حادة في بعض المناطق. وهو ما يفرض سؤالاً ملحّاً.. هل بالفعل العالم مقدم على كوارث أخرى مدمرة، خاصة وأن الناس لم تمحِ من ذاكرتهم مشاهد كارثة “تسونامي” المروِّعة، التي حصدت أرواح الكثير من الضحايا، وشرَّدت الآلاف من منازلهم.
 
فرنسا كواحدة من الدول الأوروبية البارزة، طالبت بتشكيل هيئة دولية تنفيذية، تنحصر مهامها في ملاحقة ومعاقبة كل من ينتهك قوانين البيئة، ويقسو عليها، ويُعاملها باستهتار! لكن الأسئلة التي تطرح نفسها.. هل ستقوم هذه اللجنة بمعاقبة الدول التي تجري أبحاثاً نووية؟! هل ستُحاسب دولاً صناعية كبرى كالولايات المتحدة الأميركية إضافة إلى الصين والهند، وقد أثبتت الدراسات خطر النفايات الصناعية على سلامة البيئة؟! وكيف يمكنها معاقبة العالم العربي، الذي يجهل جلَّ أهله ماذا يعني التلوث البيئي! وليس لديه دراية بكيفية التعامل في حياته اليومية مع الأشياء المتعلقة بحماية حيّه ومدينته؟!.
في عالمنا العربي ما زال الناس بعيدين عن رؤية أبعاد هذه المشكلة، وهذا يعود إلى أن الفرد العربي همومه لا تُعد ولا تُحصى، وفي جعبته يتكدّس الكثير من قضاياه الشائكة التي تحتاج إلى حلول جذرية، مما يدفع هذه المشكلة إلى ذيل قائمته من منطلق الأهم فالمهم! لكن هذا لا يمنع من صب اللوم على الحكومات العربية، التي لم تضع نصب عينيها حماية البيئة، بتغذية عقول الأجيال الجديدة على هذه الثقافة المهمة، مما يستوجب تخصيص مكان بارز لها في المناهج التعليمية، وتشكيل فرق مدرسية ميدانية من حين لآخر، تقوم بتوعية رجل الشارع، وتكثيف البرامج الثقافية من خلال الإعلام بقنواته المختلفة، التي تتحدث عن مخاطر التلوث البيئي، وكيفية المحافظة على المكان الذي يحيا فيه الفرد، ومسؤوليته المباشرة عن السلبيات التي قد تقع مستقبلاً.
أتذكّر إبان إقامتي في لندن، كنتُ أجد دوماً عند مدخل مسكني، منشورات تقوم بطبعها وتوزيعها جمعيات تطوعيّة، تسعى إلى توعية الناس بالأضرار التي تُحدق بالبيئة، وتُبيّن لهم السبل الممكن اتباعها للمحافظة عليها، مثل كيفية التخلّص من مخلفاتهم المنزلية، وتشجيعهم على استخدام العجلات الهوائية أو المشي على الأقدام في العطلات الأسبوعية، لتخفيض عادم السيارات الذي أثبت دوره الرئيسي في التأثير على غلاف الأرض الجوي بجانب غيرها من السبل.
 
إنها قضية يجب أن تلتفت إليها الحكومات العربية، لأن المجتمعات العربية جزء من سكان هذه الأرض، وإذا فقدت مقومات البقاء فلن تجد مكاناً تعيش فيه ولا حتّى على سطح القمر، أو فوق سطح المريخ، فكلاهما قد تمَّ بيعهما بصكوك شرعية وهي مستغرقة في نومها. الجهلاء ليس لهم مكان في هذا الكون الواسع! !.