موروثاتنا الاجتماعية… وعقيدتنا الدينية!

موروثاتنا الاجتماعية… وعقيدتنا الدينية!

موروثاتنا الاجتماعية… وعقيدتنا الدينية!

الأحد 6/1/2008

 
جميعنا بلا استثناء نحمل صرة موروثاتنا الاجتماعية على أكتافنا، حتّى لو ذهبنا إلى آخر العالم، فهي تظل تربض في دواخلنا وتطفو على السطح حين يتعرض أحدنا لموقف مفاجئ من مواقف الحياة! فهل هذه الموروثات المكونة من الأعراف والعادات تُشكّل حصانة قوية لهويتنا؟! هل ما سكبه الأهل في آذاننا ونحن صغار وما تلقيناه داخل أروقة مؤسساتنا التعليمية ساهم في نضج شخصياتنا، أم خلق صراعاً في أعماقنا خاصة حين نجد أنفسنا مضطرين للتعامل مع مجتمعات أخرى متباينة عنّا فكرياً ولها قيمها الخاصة بها؟!.
 
كثيرون من الذين تدفعهم الظروف إلى العيش في الخارج يحدث لهم شيء من صدام الثقافات بعد أن يعودوا إلى ديارهم. وأعرف أناساً غدوا يحسون بوحشة داخل أوطانهم نتيجة الصراع الذي احتدم في أعماقهم بين عاداتهم الاجتماعية الصارمة من ناحية، وبين القيم الغربية التي استحسنوها ووجدوا من الصعب تطبيقها على تربة أوطانهم من ناحية أخرى!
 
المرأة العربية والمسلمة أكثر من الرجل عرضة لهذا النوع من الصراعات، كون المجتمعات العربية بأكملها من محيطها إلى خليجها مجتمعات ذكوريّة وإنْ تفاوتت نسبتها! ثقافتها مرتبطة بلغة العنف، ومبنية على بسط نفوذ الرجل على المرأة وهيمنته على مقدراتها حتّى وإنْ كانت المرأة تفوقه علماً وقدرةً وثقافةً! وقد ساهم في ترسيخ هذه النظرة السلبية انتشار المد الأصولي المتطرف الذي كانت المرأة أولى ضحاياه، وهو ما نراه متمثلاً كذلك في بعض البلدان المسلمة مثل أفغانستان وباكستان والصومال وغيرها.
 
قابلت الكثير من النساء العربيات والمسلمات أثناء إقامتي في لندن وأثناء سفري إلى العديد من مدن العالم، نساء هربن من بلادهن نتيجة القيود الاجتماعية القاسية المفروضة عليهن! بعض ممن التقيتُ بهن تخلّين عن دينهن الإسلامي وتزوجن بمن هم على غير دينهن، ومنهن من التزمن الصمت وغيّرن هويتهن دون أن يُشرن من قريب أو بعيد لأصولهن العربية أو الإسلامية!.
 
حقيقة أشعر بالحزن لما أصبحت عليه هؤلاء النسوة اللواتي آثرن العيش في الغرب، الذي باتت الديانات بالنسبة له تُمثّل “موضة قديمة” من مخلفات العصور الوسطى، يوم كانت الكنيسة ترمي النساء بالهرطقة وتحرقهن في الميادين العامة.
 
عُدتُ بذاكرتي إلى الكاتبة “تسليمة نسرين” البنغالية، التي هربت من بلدها، وعاشت أعواماً في السويد، وتُقيم حالياً في الهند بعد أن كتبت روايتها “العار”، ومطالبتها بمراجعة الأمور الفقهية الخاصة بالمرأة، وهو ما أدّى إلى اتهامها بالإلحاد، وصدور فتوى من الجماعات الإسلامية المتطرفة بقتلها!.
 
لعن الله الفكر المتطرف الذي دفع الغربيين إلى فتح أذرعهم لاحتضان الهاربات من النساء، لقناعتهم بأن الإسلام بمعتقداته وتشريعاته أحلَّ استعباد المرأة! لكن الحقيقة التي لم يدركها الغربيون هي أن اللَبس الحاصل بين العادات والتقاليد والتشريعات الوضعية الصارمة التي تقوم عليها أغلبية المجتمعات العربية والإسلامية من جهة، وبين التعاليم الإسلامية الحقيقية التي رسّخت مكانة المرأة من جهة ثانية، هي التي دفعت هؤلاء النسوة إلى التمرّد والخروج من عباءة الإسلام وقذفه بأبشع التهم!.
 
هذا ليس تبريراً لتمتشق المرأة قلمها وتُطلق لسانها للهجوم على الإسلام، بل يجب عليها صب جام غضبها على التقاليد البالية التي تتلفّح بعباءة الإسلام، لكي تعبث بكيانها وتُصادر حريتها وتسلبها حقها في حياة كريمة.
 
وأنا في مطار هيثرو بلندن وقع نظري على فتاة عشرينية تبكي بحرقة، تمنيتُ لو سألتها عن سبب بكائها، لكنني شعرت بأن هذا من باب الفضول غير المستحب، لكنني كنتُ سعيدة الحظ حين وجدتها تجلس بجانبي في الطائرة. قطعنا الساعات التي تفصل بين جدة ولندن في الحديث، وعلمتُ منها أنها تدرس في بريطانيا وأنها في السنة النهائية بالجامعة وهو ما جعلها تشعر بالحزن على البلد الذي أحبته كونه يحترم إنسانيتها، وأنها ستشتاق إلى مناخ الحرية الذي يطل برأسه من كل ركن فيها، وأنها تتمنى أن تعيش في بريطانيا لتحقق أحلامها دون أن يُصادرها أحد باسم الأعراف والعادات ومن باب سد الذرائع!.
 
لا أعرف … لم ألمها، لم أحاول تطييب خاطرها، بل وجدتني أطلق زفرة حارة خرجت من صدري دون وعي مني!.

 

***