عودة الفن إلى الواجهة!!

عودة الفن إلى الواجهة!!

عودة الفن إلى الواجهة!!

الأحد 9/3/2008

 
اعتاد الفن على اختلاف أنواعه من أدب وموسيقى وسينما ومسرح، على إقحام نفسه في عالم السياسة حيناً، وفي قضايا المجتمع وعلى الأخص المتعلقة بحقوق المرأة أحياناً أخرى، وتلك المرتبطة بأمور الدين أحياناً ثالثة. جميعها ذات مذاق مر كما يُقال، ويُحدث سقوطها دويّاً كبيراً لحظة ارتطامها بالأرض!.
 
يظهر بأن شهية بعض الغربيين هذه الأيام مفتوحة لمهاجمة المسلمين والاستهزاء بالدين الإسلامي، خاصة مع انتشار ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في المجتمعات الغربية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر! وها هي هولندا تعود إلى الواجهة بعد مرور سنوات قلائل على مقتل المخرج الهولندي “ثيو فان جوخ” على يد متشدد عربي، بعد قيامه بإخراج فيلم “خضوع” الذي أساء في أحداثه للإسلام وأنه دين يظلم المرأة المسلمة!.
 
مؤخراً اتجهت أنظار المسلمين إلى نائب هولندي يميني، يُصر على عرض فيلم “فتنة” الذي قام بإنتاجه، مظهراً فيه القرآن على أنه “نص فاشي” تُحرّض آياته على العنف وأنه دين يضطهد النساء ومثليي الجنس، محذّراً من “تسونامي إسلام”، مطالباً المسلمين بالتخلّص من نصف القرآن إذا أرادوا العيش في بلاده، مستغلاً مناخ حرية التعبير الذي تتمتع به أوروبا.
 
أتذكّر تعليقا جميلاً للسيد “مهاتير محمد” رئيس الوزراء الماليزي السابق، في تعليقه على ما يجري في عدد من الدول الأوروبية، بأنها لا ترى نفسها مخطئة في انتقاد المسلمين والعرب، وفي وصف نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام بالإرهابي، في الوقت الذي تعتبر انتقاد اليهود أو التنديد بسياساتهم القمعية تجاه الفلسطينيين العُزّل خطأً جسيماً وفيه معاداة للسامية، وقد أمسك بالفعل لب الحقيقة.
 
لكن على الجانب الآخر يحضرني لغط كثير يُطلقه عشوائيّاً الكثير من المثقفين على اختلاف توجهاتهم، بأن المسلمين يحترمون كافة الأديان السماوية، وأنهم مستعدون للوقوف وقفة رجل واحد إذا فكّر مسلم في التطاول على الكتب المقدسة، بل وسيُطالبون عندها بتوقيع أقصى العقوبة عليه! لكن هناك مثلا مصريا جميلا يقول “أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب!”، فالحقيقة الغائبة التي يُدركها الجميع أن الأفراد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية لم يتلقوا على مقاعد الدراسة وجوب احترام المذاهب والطوائف الأخرى، ولم يتربوا داخل بيوتهم على تقبّل وجود الأديان الأخرى!.
 
منذ فترة ليست بالقصيرة، تابعت على إحدى القنوات الفضائية، مقابلة لسيدة عربية مثقفة، ردت على المحاورة ضمن سياق الكلام” بأن الغرب ليس لديه قيم ولا مبادئ، وأن مجتمعاته منغمسة في وحل الإباحية، وأن تعاليم الإسلام هي التي عززت مكانة المرأة المسلمة!”.
 
لو سمع طفل صغير في بداية نشأته هذا الكلام، هل سينظر للفرد الغربي نظرة عقلانية؟! إذا كانت مناهجنا تُلقن الطالب بأن الإسلام هو الأوحد المتربع على عرش الإنسانية، وتحشر دماغه طوال الوقت بأفكار مغلوطة عن المرأة، وأنها كتلة غرائز تمشي على الأرض، يجب مراقبتها طوال الوقت! وتحقن عقله بتعاليم مشوهة عن عقائد الآخرين، وتنبهه بخطورة ثقافة الغرب على مأكله ومشربه وحياته، فكيف سيشب على تقبّل فكرة التنوّع، وتبنّي ثقافة التسامح؟!.
 
هذا لا يعني بأنني أؤيد ما تذهب إليه بعض الدول الغربية من ازدراء لديننا، وإهانة نبينا، والتعرّض بسلبية لقدسية قرآننا، وإلصاق تهم جائرة بشريعته، لكن هناك قنوات ضغط كثيرة من الممكن اللجوء إليها للذود عنه، دون اللجوء إلى أساليب العنف والقتل! حتّى لا ندفع الذين يقفون في صفوفنا من الغربيين أنفسهم إلى رفع أيديهم عنّا لاعتقادهم بأنهم وقعوا في خطأ جسيم!.
 
عندما قام الممثل العالمي “ميل جيبسون” بإنتاج فيلمه (آلام المسيح) “The Passion of the Christ” حاربه اللوبي الصهيوني المتوغل في المجتمع الأميركي، من خلال الضغط على شركات الإنتاج في عدم تمويل فيلمه مما اضطره إلى إخراجه على نفقته الخاصة، لكنه لم يتعرّض لمحاولات اغتيال، لأنه قام بترسيخ فكرة تورّط اليهود في مقتل المسيح!.
 
عندنا رجال أعمال قادرون على تحريك العالم بما يملكونه من أموال باهظة، فليقدموا جزءاً من أموالهم لتمويل أفلام تُعزز ديننا، وتُصحح الصور السلبية المأخوذة عن المسلمين، فالفنون، والإعلام بقنواته المتباينة اليوم، هو السلاح القوي الفعال في الوقوف بوجه كل عوامل التشويه، بدلاً من ضرب الخدود وشق الجيوب التي لن تُخلّف سوى خرق بالية!!.