فضيحة الاعتذار العلني!!

فضيحة الاعتذار العلني!!

فضيحة الاعتذار العلني!!

الأحد16/3/2008

 
رجلان أسودان نجحا مؤخراً في خطف الأضواء داخل الولايات المتحدة الأميركية، الأول “باراك أوباما” المنافس للسيدة “هيلاري كلينتون” على سباق الرئاسة على البيت الأبيض. والثاني “ديفيد باترسون” الضرير. وترجع أهمية الأخير في كونه سيتولى منصب حاكم ولاية نيويورك التي تُعتبر واحدة من أهم وأغنى ولايات أميركا.
 
لست هنا بصدد التحدّث عن بداية بزوغ فجر جديد في العالم، لا مكان فيه للتمييز العنصري بأشكاله المختلفة! ولا أرغب في التحدّث عن مبادئ الديمقراطية التي تقوم على العدل والمساواة والحرية، ونجاح الأميركيين السود في توظيفها توظيفاً جيداً لتثبيت حقوقهم! ولا أريد التوقّف لعد النجاحات التي بدأ السود يحصدونها بعد تجرّعهم كؤوس الذل والعبودية على مدى قرون طويلة! ولكنني أريد التحدّث عن استقالة حاكم ولاية نيويورك “أليون سبيتزر”، الذي انكشف أمره أمام الرأي العام، بعد تورطه في فضيحة جنسية مع إحدى العاهرات، واتهامه في عمليات غسيل أموال قد تعرضه للمحاكمة! .
 
مثل “حاميها حراميها” ينطبق بالفعل على هذا الرجل الذي كان ينتظره مستقبل زاهر بعد تحقيقاته الجنائية المتميزة، ونجاحه في اختراق عدد من شبكات الدعارة. الجميل في الأمر أن الرجل قدّم استقالته أمام كاميرات المصورين، معتذراً لزوجته وأبنائه ومواطنيه عن أخطائه، مُقرّاً بأنه لم يكن على قدر المسؤولية الممنوحة له!.
 
هذا المشهد وإن نُظر إليه البعض بريبة، وعلى أنه سياسة مراوغة لكسب تعاطف رجل الشارع، إلا أنه يُبيّن الشفافية التي تتمتع بها الدول المتحضرة، وأن لا أحد فوق سقف القانون! الكل يخضع للاستجواب إذا ثبت تورطه في قضايا الفساد! إضافة إلى أن الوضوح والصراحة صفتان مغروستان في بنية المجتمعات الغربية، لا تنفصمان عن ثقافتها الواعية التي يشب أفرادها عليها.
 
العالم بأسره يتقدّم إلى الأمام من أجل مصلحة الإنسانية، في الوقت الذي يندفع فيه العالم العربي وبسرعة فائقة إلى الخلف! فالحريات تتقلص كل يوم، وأعداد سجناء الرأي في السجون والمعتقلات في تصاعد، ومسلسل توريث أبناء الرؤساء تنتقل عدواه بالسمع قبل اللمس! والفساد بكافة أنواعه تفشّى إلى أن صار هو القاعدة التي تتشكّل منها الأغلبية، والنزاهة والشرف وضعا في خانة الشذوذ الأخلاقي!.
 
في بلداننا العربية هناك مشاهد متكررة لمسؤول كبير، يداه ملوثتان بالأخطاء الجسيمة، وجيوبه محشوة بأموال مواطنيه، مع هذا يُصرُّ على التشبث بكرسيه! ويقف منتفخ الأوداج أمام الجميع، مستخفاً بذكاء شعبه، مقسماً بأغلظ الأيمان أنه سيضرب بيد من حديد على كل من يشتبه تورّط اسمه في قائمة الفساد، ولا ضير عنده من البحث عن كبش فداء يُلمّع به اسمه الملطّخ بالسواد!.
 
وحدّث ولا حرج عن أبناء المسؤولين الذين أصبحت مشاريع بلدانهم في قبضة أيديهم، مستغلين نفوذ آبائهم للسيطرة على اقتصاديات أوطانهم، ولا ضير من أن يُرسخوا أقدامهم بشراء مقاعد في البرلمانات يُحافظون من خلالها على مصالحهم، وشراء أصحاب الذمم الضعيفة بالرشاوى، وإغراقهم بالامتيازات الوظيفية!.
 
لا عيب في أن تكون هناك أسر تتوارث السياسة، لكن لا يجب أن يكون هذا بفرض الأمر الواقع على الشعوب، وإنما يكون من خلال قنوات شرعية! ففي الدول المتحضرة يتدرّج ابن المسؤول من خلال الحزب الذي ينتمي إليه، إلى أن يحظى بمقعد في البرلمان عن طريق انتخابات حرة نزيهة، وليس بتطبيق سياسة القوة على الأصوات المعارضة بالترهيب ورفع العصي!.
 
إن الطريق ما زال طويلاً أمام بلداننا العربية لكي تصل إلى مصاف الدول المتقدمة. والكل بات يغمز بوقاحة! والذي يشُذُّ عن القاعدة المرسومة، وتأخذه الغيرة على وطنه، ويُفكر في إزاحة الغطاء عن المستور، يُتهم بالخيانة وأنه يُعري وطنه أمام كل من هب ودب! ليس هذا فحسب بل تُسحب صلاحياته، ويُقال من كافة مناصبه، ويُنظر إليه على أنه شخص أرعن يستحق إنزال أقصى عقوبة عليه!.
 
مجتمعاتنا العربية للأسف فقدت الثقة في قوتها، بعد أن عافت التدريب اليومي حتّى ضمرت عضلاتها! متسائلة في قرارة نفسها: ما فائدة النزال في ساحة الوغى، ما دام كل صوت نقي النبرة، يتم بتر لسانه في الظلام، وديوك الفجر تصيح فوق الأسطح معلنة بزوغ نهار جديد!.