العبقرية… تربية أم وراثة؟!

العبقرية… تربية أم وراثة؟!

العبقرية… تربية أم وراثة؟!

الأحد 30/3/2008

 
هل عالمنا العربي، بكل ما فيه من كتل مأساوية ومشاهد تقشعر لها الأبدان، قادر على إمساك الدفة بمهارة واحتواء أبنائه الذين تتوسم فيهم ملامح العبقرية، حتّى توصلهم لبر الأمان؟! هل بلداننا العربية التي تفوح من أزقتها الضيقة، عفونة الفقر والبطالة والفساد بأنواعه والصراعات الدموية القاتلة والنزعات الطائفية المدمرة، قادرة على صناعة نجوم براقة تُضيء بها دروب المستقبل؟! هل مؤسساتنا التربوية والتعليمية تقوم بمهامها الطبيعية على أكمل وجه، في تهيئة براعم الغد لقيادة دفة المستقبل، وتدريبهم على فتح الأقفال المستعصية، وكيفية القفز فوق الأسوار العالية؟!.
 
هناك من يرى بأن مجتمعاتنا العربية التي تجرّعت صنوف القمع والكبت على أرضها قرونا طويلة، غدت لا شعوريّاً تستحلي تبعيتها للغرب! فهل هذا الرأي يُعبّر بالفعل عن الحقيقة؟! هل يعني هذا أن الأفراد في أوطاننا لا يملكون جينات العبقرية، وأنها ميزة تقتصر فقط على العقول الغربية؟! هل العبقرية وراثة أم تهيئة علمية وتمرّس وتربية؟! وإذا كانت العبقرية مقتصرة على مجتمعات الغرب، لمَ العقول العربية التي تُهاجر إلى الخارج تُبدع وتُحقق نجاحات باهرة؟! ألا يعني هذا أن المناخ السائد هناك يُشجّع على تنمية المواهب، وأن الأمر ليس له علاقة بالصفات الوراثيّة؟!.
 
هناك ظاهرة واضحة في مجتمعاتنا العربية، حيثُ صارت شهادة الغرب هي الطريق الأضمن والأسلم للاعتراف بمنزلة الفرد! فنراها تُهلل فرحة لكل عبقري يعود إليها بعد أن لمع اسمه هناك، وتحمله على أعناقها، وتتباهى بإنجازاته، دون أن تسأل نفسها لماذا تركته يرحل عندما كان في أمس الحاجة إليها؟! لماذا لم تُقدّم له ما كان يطمح فيه لخدمة بلده؟! ألا تؤكد هذه الدلائل الملموسة على أن العبقرية ليس لها وطن ولا جنسية؟!.
 
كثير من العباقرة العرب الذين ملأ صيتهم الآفاق، لم يجدوا في بداية طريقهم آذاناً صاغية لأحلامهم! بل يجب الاعتراف وبكل جرأة، أن مؤسساتنا التربوية والتعليمية والعلمية ليست مؤهلة لصناعة النجوم في كافة المجالات، وأنها لا تُكلّف نفسها البحث عن النشء الذي تتوسم فيه صفات العبقرية! إضافة إلى أن الحكومات العربية تُهدر جزءا كبيرا من ميزانيتها على سباق التسلّح، وتضنُّ بأموالها في دعم العلماء غير مدركة أن الذي سيحمي أراضيها ويُعزز مكانتها بين الدول المتحضرة، ينصب في تطوير المناهج التعليمية، وفي إقامة مراكز علمية متطورة، وأن الحصانة الحقيقية تكمن في بناء جيل متسلّح بالعلم والمعرفة، وأن تضييق الخناق على العقول الفذة سيخلق أجيالا من التنابلة غير قادرين على مواكبة ما تجود به المجتمعات المتحضرة!
 
الباحثة حياة سندي، عالمة سعودية اختارت الغربة الطوعيّة في بريطانيا لمدة ثلاثة عشر عاماً من أجل العلم، وقد احتفت بها الأوساط العلمية في أوروبا بعد نجاحها في تحقيق اختراعات علمية مذهلة تعود بالنفع على البشرية. وقامت الولايات المتحدة الأميركية بتصنيفها كواحدة من أهم العالمات في العالم. ودعتها جامعة بركلي الأميركية لتكون واحدة ضمن أبرز ثلاث عالمات. هذه العالمة الشابة حاولت إسرائيل إغراءها بدعوتها إلى مركز أبحاث في تل أبيب، في الوقت الذي أولتها الجامعات السعودية ظهرها بحجة عدم وجود أقسام خاصة لأبحاثها، إضافة إلى ارتفاع تكاليفها!.
 
لنكن منصفين في رؤيتنا، ونعترف بأن نموذج حياة سندي ليس حالة استثنائية، وأنها ليست الوحيدة التي لم تنل المكانة التي تستحقها داخل وطنها! فأغلبية البلدان العربية إلى اليوم لا تُوجد لديها خطط مدروسة لاستيعاب عباقرتها، ولا تملك دراية كافية للاستفادة من خبراتهم التي استقوها من منابع الغرب!.
 
هذه المواقف المخجلة تجاه العباقرة العرب، تدفع الإنسان إلى رفع حاجبيه عجباً على تقاعس الأوطان في احتواء أبنائها الأفذاذ! وإلى ضرب كفا بكف على العقول العربية الفذة التي ينتهي بها الأمر إما إلى اتخاذ قرار الهجرة إلى الغرب نهائياً، حيث تجد التقديرين المادي والمعنوي، وإما إلى القوقعة داخل حجرتها والتحسّر على سنوات العمر التي أهدرتها في قاعات الدراسة!.
 
ألم يحن الوقت لمجتمعاتنا العربية لكي تنهض من كبوتها، وتستوعب العباقرة من أبنائها، الذين كان لهم الفضل على مدار التاريخ في تطوير البشرية منذ اللحظة الأولى التي هبط فيها آدم وزوجه على الأرض؟!.