الأطفال… نواة المستقبل

الأطفال… نواة المستقبل

الأطفال… نواة المستقبل

الأحد 13/4/2008

 
إذا أردت أن تعرف عوامل تحضّر مجتمع، فانظر إلى مؤسساته التربوية والتعليمية وراقب بعين متفحصة كيف ترعى أبناءها وكيف تُلبّي احتياجاتهم، كيف تصب في آذانهم القيم الحياتية، كيف تأخذ بأيديهم عند خطواتهم الأولى، تنصّت على ما يدور في أروقة مدارسه وجامعاته، وقلّب في مناهجه واقرأ المكتوب في صفحاته التاريخيّة، ستدرك في نهاية الأمر أن المجتمعات المتحضرة لم تُخلق عشوائيّاً بطرفة عين ولم تعلُ مكانتها وهي غافية في حجرتها! ولم تقف في المقدمة بفضل “كرت واسطة” أو استخدام السطوة واستعراض عضلات “الفتونة”! وإنما باحتضانها للبراعم الصغيرة من أبنائها، كونهم النواة الحقيقية التي ستُحقق المعادلة المستقبليّة الصعبة.
 
اليابان غدت شاغلة الدنيا في العصر الحديث، وصارت نموذجاً يُنظر إليه بانبهار. هذه الدولة التي خرجت من الحرب العالمية متهالكة، تتجرّع كأس الهزيمة، وتجر أذيال الخيبة، وتجمع جثث قتلاها التي خلفتها قنابل هيروشيما وناجازاكي، عادت تقف على قدميها من جديد، تاركة الماضي خلف ظهرها، ملتفتة لبناء مستقبلها.
 
أدركت اليابان أهمية التعليم الابتدائي في تهيئة الأطفال الذين سيحملون شعلة الغد. وقامت باستقطاع جزء كبير من ميزانية التعليم في تخصيص قطارات للأطفال زاخرة بصور الأزهار والرسومات المضحكة والمقاعد الزاهية الألوان. وفي إنشاء منشآت ومتنزهات خاصة تُنمّي مداركهم ومواهبهم الفطرية، وهي تتفاخر حالياً بأنها ودّعت الجهل والأمية مع دفن آخر ياباني أميّ في منتصف أربعينيات القرن الماضي.
 
تجربة اليابان تجربة فريدة تحتاج إلى وقفة تأمل. والمتابع لها يُدرك كيف تحرص المؤسسات التربوية والتعليمية على تنمية روح الجماعة في الأطفال منذ سنواتهم الأولى. كما تهتم بتدريبهم على كيفية السيطرة على سلوكياتهم من خلال عدم تواجد المعلمة طوال الوقت في الفصول الدراسية، بل وتحرص المعلمة على عدم توبيخهم على سلوكياتهم الخاطئة حتّى لا يؤدي هذا السلوك إلى شيوع ثقافة السلطة المطلقة بين الأطفال. ويتم تعويدهم على تذكّر مسؤولياتهم بالنظر إلى الساعة لمعرفة وقت الخروج من المدرسة دون انتظار سماع جرس الانصراف.
 
مسكين الطفل العربي، يُصاب بالتخمة التي تُفضي به إلى أمراض قاتلة مستقبلاً! منذ اللحظة التي يدلف بها إلى فناء المدرسة يُمارس عليه الإرهاب بكافة أنواعه حتّى تخرجه منها، بدءاً من المناهج المملة التي يحشون بها دماغه، والتي تضيع في خبر كان مع تقدمه في العمر ولا يتبّقى شيء منها في ذاكرته! وانتهاء بتلك المرتبطة بأساليب القمع والعنف التي يتلقاها من أساتذته وتبقى راسخة في ذهنه، خالقة منه شخصية عنيفة تصب جام غضبها على من حولها، وتفتقد إلى التعامل بحكمة وتروٍ مع مواقف الحياة. ولا ننسى القنبلة الموقوتة المتمثلة في أولاد الشوارع، الذين ولدوا في بيئات معدمة وألقت بهم أسرهم إلى الطرقات ليتولوا بأنفسهم الحصول على رزق يومهم، وأصبحوا اليوم مشكلة كبيرة تؤرّق فكر مجتمعاتهم التي تقف عاجزة عن وضع حلول جذرية لمعاناتهم أو توفير حياة طبيعية لهم!.
 
في اليابان يعلمون أطفالهم كيف يُساهمون في بناء مجتمعهم، وفي عالمنا العربي يتعلم أطفالنا كيف يتعاركون مع الحياة بمنطق الفهلوة والشطارة أحياناً، وبمنطق الصراخ ورفع الصوت أحياناً ثانية! وبترك أمورهم المستعصية مبعثرة على الطاولة دون أن يتعلموا كيفية التعامل معها أحيانا ثالثة!.
 
هذا الخط الذي لا يعرف الوسطية في مجتمعاتنا العربية، فرّخت أطفالاً يحملون عقدا كثيرة في دواخلهم، وحرمتهم من عيش سنوات طفولتهم البريئة. بل ودفعتهم هذه الأجواء التي تتعامل معهم بلغة القمع، إلى القفز فوق طفولتهم ليحيوا حياة غير سوية تفتقد إلى النضج التدريجي!.
 
نحن مبهورون بثقافة العم سام، بدءا من الهامبرجر والكنتاكي وغيرهما من الوجبات السريعة التي أصابت أطفالنا بالبدانة، ومروراً بموسيقى البوب، وانتهاء بأفلام هوليوود التي تُصدّر العنف وتخلق البطل السوبرمان، الذي يستخدم قواه الخارقة للسيطرة على الأرض! دون أن تُفكر مؤسساتنا التعليمية العربية في إرسال بعثات إلى اليابان لتدرس تجربتها عن قرب، وترى كيف وصلت إلى هذه المرحلة من الازدهار والإنجازات العلمية. هذه الدولة التي استعانت في الماضي بالخبرة الهندسية المصرية لمد أول خطوط السكك الحديدية في اليابان!.
 
سبحان مُغيّر الأحوال! صحيح أن العبرة بنهايات الأشياء وليس ببداياتها!