لا تنسَ أن تضحك

لا تنسَ أن تضحك

لا تنسَ أن تضحك

الأحد 11/5/2008

 
تابعتُ مشاهد احتفالات الناس بيوم الضحك العالمي، التي تناقلتها القنوات الفضائيّة مؤخراً، وأخذت أراقب بفضول الوجوه المطلية بطبقة من السرور، وأبحلق في الأجساد المهتزة من الضحكات المنبثقة من أفواههم المفتوحة، متسائلة إن كانت هذه القهقهات بالفعل نقية السريرة، أم أنها خدعة يلجأ إليها بعض الناس لكي يقنعوا أنفسهم أنهم سعداء، وأن الشقاء بعيد عنهم؟! فهل الضحك أمر ضروري للإنسان، وإن كانت رنّاته مزيفة لا تنبع من أعماق الفؤاد؟! وهل بالفعل كل فرد بحاجة إليه ليكمل دربه إلى نهايته؟!.
 
يقول الفيلسوف فردريك نيتشه: “الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يتعذّب في هذه الدنيا، حتّى أنه أضطّر لاختراع الضحك!”. فهل حقّا كافة البشر يتشاركون في كأس الهموم، ويُعانون من ضربات الأيام، وإن اختلفت حدة درجاتها من شخص لآخر؟! ألا يعني هذا بأن الضحك ونقيضه البكاء، كلاهما حالة يتعايش معها الإنسان حسب الظرف الذي يمر به؟! لماذا عندما يبث أحدنا شكواه يقول تعبيراً عن ألمه: “حتّى ضحكتي صرتُ اشتاق إليها”؟!.
 
لقد أثبتت الدراسات العلمية أن الضحك يقوّي جهاز المناعة عند الإنسان، وأنه شكل من أشكال التمارين الرياضية، حيث أنه يقوّي عضلات الوجه، ويُساعد على تنشيط الدورة الدموية التي تنعكس إيجاباً على سلامة القلب، وهو ما شجّع عددا من الدول الأوروبية إلى تخصيص برامج تلفزيونية لرياضة الضحك.
 
لذا لا تنتظر اليوم العالمي للضحك لكي تضحك، حاول أن تضحك بين حين وآخر وإنْ كان غصباً، ففي بعض الأحيان نَحِنُّ إلى سماع رنة ضحكاتنا، كركراتنا، قهقهاتنا، خاصة وأن نغماتها مرتبطة بذكريات طفولتنا البريئة التي لم تكن تعرف الهموم، ولم تدهكها الحياة بتقلباتها وفواجعها.
 
على الرغم من رغيف الخبز الذي يقضُّ مضجعك، اضحك. وعلى الرغم من الضربات التي تنهال عليك من كل حدب وصوب، اضحك. وعلى الرغم من كم الانتكاسات التي تتجرعها طوال نهارك، اضحك. وعلى الرغم من المظاهر السلبية التي تلمسها حولك، اضحك. وعلى الرغم من فجعاتك المتكررة في أوطانك العربية من خليجها إلى محيطها، اضحك. وعلى الرغم من صور الخراب والدمار ونحيب الثكالى التي تتكرر أحداثها أمام ناظريك، اضحك.
 
لا تعتقد بأنك الوحيد في هذا الكون الذي تلقّى صفعة أليمة على وجهه! أو انزلقت قدماه في تربة قذرة ولطّخت ثيابه الناصعة البياض! ولا تظن أنك وحدك في هذه الدنيا الذي سُرقت منه أحلامه، أو تبخّرت بقدرة قادر لحظة ارتطامها بأرض الواقع! ولا تتوهّم بأنك الوحيد على الأرض، من نام منكسر الخاطر، يذرف الدمع على خيبته في الأيام! كل إنسان لديه ثقب عميق في قلبه، يطلُّ عليه بأسى من نافذة عمره بين وقت وآخر، قد يقف عنده طويلاً! وقد يُحاول التهرّب منه متظاهراً بعدم الاكتراث له! وقد يبحث عن معول وأدوات يسد به هذا الشق ليُريح باله!.
 
ثق أن الأحزان ليست مقتصرة على شريحة دون أخرى! هي فاتورة يقوم بتسديدها الجميع ماداموا يعيشون في هذا العالم، لكن الفرق يكمن في قدرة كل إمرئ على الابتسام، لذا من نِعَم الله أن جعل الضحك صناعة ربانيّة، لا يُتقنها الكل، فهي منّة عظيمة خصَّ بها بعض البشر.
 
لستَ وحدك في هذا العالم الذي حرمته الأقدار من أحبائه، أو غدر به رفيق، أو تخلّى عنه صديق، فالحياة مليئة بالأنذال وأصحاب المواقف الدنيئة، لكنها أيضاً زاخرة بالنبلاء وذوي الأفئدة الرحيمة. وأنْ هدر الدموع مدراراً، لن يضع في يدك خاتم سليمان، أو يُساعدك على إيجاد مصباح علاء الدين السحري!.
 
إنْ وجدت نفسك غير قادر على انتشال نفسك من يم همومك، أدر تلفازك على قناة تلفزيونية تعرض مسلسلاً أو فيلماً كوميديّاً، مد رجليك، استرخ على ظهرك، قهقه بصوت عالٍ دون أن تأبه بالوجوه المحيطة بك، أنسَ متاعبك مع مديرك الذي يتعقّب هفواتك ويتربّص بأخطائك، أزح مشاكلك الأسرية عن بالك، أطرد مسؤولياتك المادية التي تُثقل كاحلك عن فكرك، فلن يحل العبوس ولا الحزن مشكلتك، وتذكّر بأن اليوم الذي يمضي سينتقص من سنوات عمرك. تعلّم أن تضحك.