الوقوع في مصيدة الدجل!!

الوقوع في مصيدة الدجل!!

الوقوع في مصيدة الدجل!!

الأحد 22/6/2008

 
جميعنا بلا استثناء تربض في دواخلنا جرثومة الخوف من المجهول! وهي تقوم بين حين وآخر بغرس أظافرها في جدران أفكارنا. قد يكون هذا الخوف نابعاً من قلقنا على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا. وقد يكون نابعاً من توجسنا على صحتنا، من أن يُداهم أجسادنا مرض مستعص، فيقعدنا عن مواصلة طريقنا ويحرمنا من الاستمتاع بحياتنا. وقد يكون نابعاً من جزعنا من تذوّق طعم مرارة الفشل والوقوع في براثن الخيبة. أو قد يكون نابعاً من أشياء مبهمة لا نعرف ماهيتها!
 
هذه الرقعة يقف في محيطها كافة البشر، لكن قد يدهس البعض بأقدامهم في رمالها المتحركة، ويعجزون عن انتشالها، مما يضطرهم إلى إهدار حياتهم في تعقّب خطوط هذه اللعبة الوهمية! أطلق عليها لعبة لأنها تُخدّر العقول، وتُغري المرء دون أن يدري إلى طرق أبواب الدجالين والعرافين وتصديق كل ما يُطلقونه من تنبؤات حول طالعه، مستخدمين طرقا عديدة ملتوية!
 
ومن الناس من تستحكم فيه عادة قراءة خانة أعرف حظك هذا اليوم، أو ماذا يقول برجك هذا الصباح، الذي تحفل به العديد من المجلات والصحف العربية والغربية.على سبيل المثال، سيتعكّر مزاجك طوال اليوم بسبب سوء تفاهم سيقع بينك وبين رئيسك في العمل. أنصحك بتجنّب إثارة حفيظته. أو ستربح نقوداً من “ورقة يناصيب”، مما يجعلك تُبعثر نقودك
 
في شراء كمية كبيرة منها، حتّى لا تُضيّع فرصة عمرك في تحقيق الثراء الذي تحلم به!.
 
أتذكّر أنه كانت تعمل عندي خادمة مصرية، فكانت تأتيني بفنجان قهوتي الصباحيّة وحال أن أفرغ من شربها، تقوم بقلب الفنجان على وجهه، ثم تجلس القرفصاء وتتمعن في خطوطه الداخلية، لتقصَّ عليّ بنبرتها البسيطة تفاصيل أعلم بأنها تدركها، كون الخادمات يعلمن كل شاردة وواردة تجري داخل البيوت، وخلف الحجرات المغلقة!
 
بداية لم أكن أعبأ بما تقول، وكنتُ آخذ كلامها على محمل التسلية، مستمتعة بتنبؤاتها الطريفة، لكنني تدريجياً وجدتُ نفسي أفكر في فحوى ما تقول، بل وأدمنتُ على سماع تنجيماتها صباح كل يوم والأخذ لا شعوريا بتحذيراتها تجاه بعض الأشخاص، بل وفي تجنّب القيام بتصرفات محددة! لم تحمني ثقافتي من الانجراف خلف هذا الضوء الهلامي لبرهة من الزمن، حتّى توقفت عن هذه العادة مع انقطاع الخادمة عن العمل لديّ، وهو ما جعلني أوقن بأننا نقع بعض الأحيان في حفرة أوهامنا!
 
لفت انتباهي مؤخراً قيام عدد من الصحف والمجلات العربية بإلغاء خانة “حظك مع الأبراج” من صفحاتها، مبررة هذا التوجه بتراجع شعبية قراءة الطالع! لكنني أشك في أن هذا القرار أُتخذ لهذا السبب فما زالت شريحة كبيرة من الناس من مختلف الطبقات تبتاع المطبوعات لحل الكلمات المتقاطعة، أو مطالعة حظهم ذلك الصباح، وقد أثبتت إحصائيات العام الفائت أن كتب الأبراج حققت أعلى المبيعات في المكتبات وفي مواقع بيع الكتب على الإنترنت، متجاوزة بذلك الكتب الدينية وكتب الأدب والسياسة!
 
سبب الإلغاء من وجهة نظري يعود إلى شيوع ظاهرة الفتاوى التي شاعت في مجتمعاتنا العربية في السنوات الأخيرة، حيث صار الشيوخ يحشرون أنوفهم في أدق التفاصيل الحياتيّة للإنسان المسلم، وقد ساعد على تعزيز هذه الظاهرة، إعلام الفضائيات
 
بتخصيصه برامج يقوم بتقديمها مشايخ لم نسمع عنهم من قبل، وإصدار زمرة من الفتاوى الشرعية، مستغلة الموضة السائدة في تعليق كل شيء على مشجب الدين، والتي كان منها عدم جواز قراءة الطالع على اعتبار أنها من الشرك الأصغر.
 
ليس سهلاً أن نتخلى عن هواجسنا وسط هذا الكم من الظواهر السلبية التي تزيد من فزعنا وتدفعنا لا إراديّاً إلى النبش في سلة الغد لمعرفة محتوياتها! كما أن النفس البشرية بطبعها توّاقة لقشع الستار عن شكل مستقبلها، وهل سيكون قاتماً أم مضيئاً، حالك السواد أم ناصع البياض!
 
في كل الحالات لا يجب على الإنسان الواعي أن يُلغي عقله، بل يجب أن يُنشّط ذهنه، ويُجاهد دون كلل في عالم يعجُّ بالضغوطات الحياتيّة! يستطيع كل فرد أن يُغير قدره، ويُحيد عن المنعطفات الخطرة، بما يملك من إرادة حديدية، واضعاً نصب عينيه أن المنجمين كاذبون حتّى وإن صدقوا.